الصيف السياسي الساخن في العراق

آراء 2022/06/24
...

 د. طارق عبد الحافظ الزبيدي 
المقصود بالصيف السياسي هي الأحداث السياسية من تظاهرات واحتجاجات، وصولا الى الثورات التي حدثت في أشهر الصيف حصراً، كون المتابع للشأن السياسي للعراق منذ تأسيس الدولة عام 1920، ولغاية اليوم يجد بوضوح أن أغلب الانقلابات والثورات التي غيرت الحكومات من الداخل حدثت في أشهر فصل الصيف، صحيح أن البعض منها في فصل الشتاء، ولكن الأغلب الأعم في فصل الصيف، وهنا قد يظهر تساؤل هل هذا محط صدفة؟ أم هناك أسبابٌ أخرى ساهمت في اختيار التوقيت.
 
عند العودة  إلى اهم حدث سياسي في العراق نجده يتمثل في ثورة العشرين، التي حدثت في شهر حزيران وهو صيف عام 1920، صحيح أن سببها الاساس عدم التزام بريطانيا بوعودها وسوء الإدارة والتعامل مع المواطنين العراقيين بقسوة، ولكن بغض النظر عن الأسباب اصبحت هذه الثورة هي مفصل مهم من مفاصل الحياة السياسية في العراق وبداية للضغط على الاحتلال على اجباره لتأسيس الدولة العراقية الناشئة، ومروراً بالحدث السياسي الثاني المهم ايضا، والذي غير طبيعة الحكم في العراق من النظام الملكي الى النظام الجمهوري، حدث في 14 تموز وهو صيف عام 1958.
وعند متابعة الوضع السياسي في العراق ما بعد 2003 نجد أن التظاهرات والاحتجاجات تنشط في الصيف وتخفت في الشتاء، ولذلك نجد أن أغلب الحكومات، قد تم تغيير بعض الوزراء نتيجة لتلك الاحتجاجات وبالذات في الوزارات الخدمية، وعلى رأسها وزارة الكهرباء.
قد يذهب البعض الى عد التوقيتات محل صدفة  ولكن نحن نعتقد أن هناك أسبابا كثيرة ساهمت في ظهور الاحتجاجات والثورات في فصل الصيف أكثر من فصل الشتاء لعل من ابرزها:
حرارة الصيف في العراق مرتفعة جدا مما قد تكون بيئة مناسبة للتفريغ السخط الشعبي اتجاه الحكومات، ولذلك دائما ما ترافق هذه الاحتجاجات من حرق وعبث بالممتلكات العامة، كتعبير عن استنكارهم و رفضهم  لضعف دور الحكومات في تلبية مطالبهم.
جو العراق حار بل شديد الحرارة بنسبة
80 % من أشهر السنة، خاصة بعد اتساع ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث ان الصيف يبدأ من شهر شباط وينتهي بشهر تشرين الثاني، مما يعني أن عشرة اشهر من السنة صيف وشهرين فقط شتاء.
قلة تجهيز الكهرباء في فصل الصيف تسهم في سخط المواطنين، الذين يواجهون صعوبة في البقاء في منازلهم، بسبب الحارة العالية دون امكانية تشغيل وسائل التبريد.
قلة تجهيز الماء الصالح للاستعمال (الشرب- الغسل) تسهم مساهمة واضحة في تذمر المواطنين الغاضبين، كون الماء ضروريا جدا في فصل الصيف والطلب يتضاعف عليه.
الحالة النفسية في الاجواء الحارة تكون اكثر انفعالاً منها في الشتاء لذلك نجد المحتجين  غاضبين، وهم في اعلى درجة من المزاج السيئ.
الشتاء في غالب الاحيان يشهد سوء أحوال جوية، مثل الأمطار والبرد يمنع المحتجين من التنقل بسهولة، خاصة أن الأجواء الشتوية تساعد على الهدوء والسكينة عكس الصيف يساعد على الثورة والتذمر.
الشخصية العراقية مزاجية تتأثر بالأجواء البيئية والظروف الزمانية والمكانية، لذلك سوف يسهم فصل الصيف في تأجيج التظاهرات والاحتجاجات، بغض النظر عن طبيعة الحكومة (اغلبية – توافقية)، و بغض النظر عمن يشكلها (حزبية– تكنوقراط).
 لذلك نجد كل الحكومات تتخوف من فصل الصيف في العراق، ولذلك نجد بعض الرؤساء يستعد لتضحية بعدد من الوزراء، لغرض التخفيف من سخط الشارع وبالذات وزير الكهرباء يكون قربانا يقدم في كل
 سنة. 
ونحن نعيش في ظل اجواء المفاوضات بين الكتل السياسية لتشكيل حكومة مرتقبة، كيف للحكومة المقبلة أن تتشكل في الصيف؟، وهل يقبل رئيس الوزراء المقبل التكليف بهذا التوقيت، حيث أمامنا بحدود أربعة أشهر (تموز- اب- ايلول – تشرين الاول) للتحول إلى فصل الشتاء 
الهادئ. 
لذلك نقول الله يكونبعون  رئيس الوزراء المقبل، بغض النظر عن اسمه وشخصه، والله يكون بعون الوزراء الجدد، الذين سيكون تكليفهم في فصل الصيف القاسي.
 
كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد