من سيشغل المقعد الفخري داخل البرلمان؟

آراء 2022/06/26
...

   عمر الناصر
 
كنت جالساً أفكر مع شيطاني الوديع، الذي يختلف عن شيطاني المريد، الذي تحدثت عنه في مقال سابق وربما سأعرفكم عليه يوما ما، يوسوس لي أن أصمت خوفاً عليَّة من أن تصيبني حالة من الغثيان والتأرنب الفكري، التي ربما ستجعلني أترنح وربما أفقد على اثرها توازني، يقدم لي النصحية والمشورة كي أطرح فكرة انشاء مقعد فخري للياقة والكياسة في داخل مجلس النواب، ربما سيحتاج البعض للجلوس عليه، حينما تنخفض لديهم مستويات ومنسوب الوعي والإدراك عند اطلاق التصريحات، ليكون ذلك لونا جديدا بإمكاننا إدخاله إلى معايير الأخلاق السياسية، من اجل الخروج وكسر النمطية، التي أراها للأسف الشديد، بدأت تتلاشى تدريجياً، ابتداءً بزيادة انتشار الكاريزما السياسية التافهة، وانتهاءً بالكوميديا السوداء، خاصة بعد أن عجزوا الأدباء من ايجاد عنوان حقيقي لكتاب يفسر كل ما هو موجود في غلافه وفحواه. 
ليس بالضرورة أن يكون لون الصندوق الاسود، هو مطابق لشكله ومحتواه، بل الأهم من ذلك ان يكون مليئاً بالمعلومات، التي يتم الاستفادة منها من قبل الجالس في قمرة القيادة، على اعتبار أن الكثير من الناس بدأت تزداد قناعاتهم وتترسخ بأنَّ هذا اليوم على الرغم من السوء الذي يكتنف طياته، لكنه يبقى أفضل من الأيام المقبلة المليئة بالسوداوية وبغبار التعرية الجوية والسياسية. علمني جدي بأن المجالس مدارس، وأن عملية الارتباط بين الشهادة العلمية والثقافة ربما تكون مسألة وهمية ونسبية بالوقت نفسه، فالكثير ممن يحملون شهادات علمية تؤهلهم لشغل مناصب رفيعة في الدولة، سواء كانوا بعض المسؤولين الحكوميين او بعض النواب او الدرجات الخاصة، تجدهم يفتقدون ويفتقرون لأبجديات الأتكيت واللياقة في التعاملات مع الآخرين، بل حتى في طريقة واسلوب الحوار الذي يتحول أحياناً كثيرة إلى "مناكفات" أو استعراض قوة وفتل للعضلات عند زياراتهم للدوائر والمؤسسات الرسمية، لا سيما أن نفخ ذلك البالون البشري المعبأ بغاز ثاني اوكسيد التفاهة لا يحتاج الا لكاميرا متواجدة على أرض الحدث، ليتحول بعدها المسؤول إلى هيرو معقود الحاجبين يتطاير الشرار من سويداء قلبه قبل عينيه، فيبتسم بعد أن يشعر بنشوة النصر وإرضاء الغرور عند جلوسه في مقدمة الجكسارة.
من يطلع على الطريقة العشوائية في اختيار المرشحين، سيجد أن ما يذهب إليه الاختيار لدى اغلب القوى السياسية، هو التركيز على الكم وليس النوع، ويبدو أن ذلك أصبح من ضمن القائمة، التي تندرج تحت لواء العرف السياسي، فتجد أنه المفصل الوحيد، الذي لم يؤخذ بانتقائية لأن الصراع اليوم بدأ يفرض نفسه بشكلٍ واضحٍ على مجريات الواقع، فأصبح ذلك في سلم الأولويات ومن المسَلَمات، التي يجب التفكير بها عند الذهاب إلى تحقيق المكتسبات، ومن يريد الاطلاع على تجارب برلمانات الدول المتقدمة، سيجد بروتوكولات وأتكيك ولياقة في الكلام تفرض نفسها بقوة داخل اللقاءات في المحافل الخاصة او العامة، لأنهم يستندون لخلفية مجتمعية ذات عمق فكري وثقافي عالي المستوى، يؤمن كلياً بمبدأ احترام وقبول الآخر، الذي يحتوي على فيتامينات وعناصر مساعدة مذابة في محلول القوانين، التي تستند إليها في المعاملات والتعاملات الرسمية او الاجتماعية. رغم معرفتهم سلفا بأن الوعي المجتمعي له دور كبير وأساسي في تحقيق التحولات الحضارية ودق أسس الرُقي والحداثة، لكنه يبقى منقوصا ومنطويا على نفسه، اذا لم يتلاقح ويتناغم وينفتح كلياً مع الادوات الموجودة لديه، وألا يذهب بعيدا لحظة خروجه من الصندوق، والتي بدورها ترسم خريطة طريق حقيقية لمسارات أشعة موشور ثقافة البنية الاجتماعية الأصيلة.