د.سلامة الصالحي
مرت البشريَّة على مدى بداية وعيها الأول وحتى الآن بمراحل لهذا الوعي، بما يتناسب ومرحلة التطور التي وصل اليها العقل البشري، ففي بدايات الوعي البكر، كانت هناك مرحلة السحر واستخداماته لمواجهة هول الطبيعة ومخاطرها، ثم جاءت مرحلة الأديان الأرضية تلتها الأديان السماوية.
ثمَّ مرحلة الفلسفة ودراسة الوجود والتأمل بما حوله. والانسان بطبيعته المضمرة والظاهرة ينطوي على نوع من الخوف، الذي حاول أن يواجهه بقوة أكبر منه، فهو يستمع للرعد ويرى البرق والفيضانات، والتي لم تكن له قدرة المواجهة لهذه الاهوال، يضاف لها هاجسه وقلقه الوجودي من الموت، فتشكل الثلاثي الذي هو الوعي والكون والحياة.
وبدأ بالتساؤل من أين أتيت وإلى أين أنا راحل، هذه الاسئلة الكبرى حاول الانسان أن يجيب عليها ولكنه تنقل في مراحل وعيه من حالة السحر والخيال إلى مرحلة الدين والآلهة. والخالق الاكبر إلى وصوله إلى مرحلة العلم والمعرفة والذكاء الاصطناعي وإيجاد النظريات العلمية القابلة للنقض والاستبدال والتغيير في تفسير ظواهر الكون والحياة، وكل هذا هو يمثل سعي الانسان للعثور على الحقيقة والوصول إلى نهايات الأسئلة، التي تتجدد يوما بعد يوم .
حاولت الأديان أن تعطي أجوبة نهائية واختلقت القصص والأساطير في الإجابة عن سؤال الانسان عن مجيئه الأول، فنقضها العلم وجاء بنظريات تناقض ما قالته الأديان، فحدثت القطيعة بين الدين والعلم، وربما العداء الذي وصل حد إهدار دماء العلماء، وإنهاء حياتهم أو تعريضهم للمحاكمات والتعذيب، وهنا فقدت مراحل تطور البشرية الكثير من عباقرتها وعلمائها، بعد أن أهدر دماءهم الكهنة ومدعين الإيمان.
يحتاج الانسان إلى طاقة روحية تمده بنوع من الشعور بالأمان والطمأنينة ومواجهة الخوف، الذي ينبع من ذاته على ذاته ناهيك عن تقلبات الموضوع، الذي يحيطه فابتكر خياله الخصب والخاضع، أيضا إلى نوع آخر من الأسئلة والاستفهامات، عن أن ما يحيط بنا ربما كان نوعا آخر من الخيال لجأ الانسان إلى نوع من الإيمان العميق والزهد، الذي يجلب له الطمأنينة والتصالح مع الذات والموضوع، وهذا الايمان هو وجدان فردي يخص الانسان
وذاته.
أما محاولة فرض نوع من التدين والعقيدة بالقوة والسيف، فقد كانت أسوأ مرحلة تمر بها البشرية، وبذلك قضت الديانات على تلك الحالة التي هي نوع من التطور الطبيعي لوعي الانسان وعلاقته بالوجود وتحول بناة هذا الوعي إلى التنكيل والقتل حالهم حال العلماء، الذين حاولوا أن يأخذوا بيد البشرية إلى ضفاف سعيدة.
لهذا فإن التدين الزائف تقف خلفه طموحات فردية وجماعية في التسلط على الضعفاء والإثراء على حساب وعيهم ومقدراتهم، فظهر التدين الشعبي بكل مظاهره الفجة وخرافاته التي يحاول كهنة المعبد التسليم بها وفرضها في وقت يتخاطر العلماء، في ما بينهم بالارتقاء بوعي الانسان ومكانته في الوجود وغزو الفضاء والتلاعب
بالجينات.
الايمان شعور يخص الفرد وحده ويجب ان يكون سريا خفيا بين الانسان وخالقه، فلا يبدو هذا العالم الفسيح، الا وأن وراءه خالقا ذكيا جدا أكثر مما نتصور وندرك هذه الكينونة، التي بقدر ظهورها تتخفى بيننا.. لا يمكن اختصارهذه العظمة بمظاهر ساذجة وفقه مبتذل، يحاول الحط من قدر هذا الإله أو الخالق، الذي يبدو أنه في نزاع دائم مع قوة شريرة تحاول تعطيل تقدم الانسان والقيام، بالدور الذي خلقه من أجله وقد تكون هذه القوة الشريرة، تلبس لباس الدين، ولكنها ضد هذا الخالق، الذي ابتكر كل هذا الجمال والقدرات الفائقة ومنها الانسان.
التدين الزائف نوع من القوى الشريرة التي تعطل مسيرة الانسان وخطة الله العبقرية في تطور هذا الكائن وتقدمه.