علي حسين عبيد
غالبا ما يقترن توصيف السلطة بالتصوّر السلبي لها، ولكن هناك قرائن تاريخية وواقعية تثبت أن السلطة يمكن أن تكون منصفة وعادلة، ولها إيجابيات وسلبيات، وخير الحكام هو الذي يعرف إيجابيات السلطة ويطبقها، والسؤال الأهم ما هي السلطة الإيجابية وكيف يصبح الحاكم ناجحا في حكمه وإدارته للسلطة؟ مبادئ سهلة من حيث المعنى، يمكنها أن ترفد الحاكم بالنجاح، لكنها صعبة من حيث التنفيذ، فالعدالة مفهوم واضح للجميع، والكل يعرف ماذا تعني العدالة، لكن الصعوبة القصوى تكمن في خطوات تطبيقها فعليا بين الناس، فهل الحاكم قادر على المساواة بين ما يمنحه لمؤيديه ومعارضيه، أو بين ما يمنحه لابنه وللغريب؟، هذه معايير سهلة وواضحة لمعرفة الحاكم ودرجة النجاح في تعامله مع السلطة.
ما هو الفارق بين النوعين من الحكام، الإيجابي والسلبي؟، إن السلطة بالنسبة للحاكم الإيجابي وظيفة لا أكثر، وعليه أن ينجح في مهمة خدمة الناس من خلال سلطته وليس العكس، أي عليه أن لا يخضع للسلطة ولا ينشغل بحماية العرش عبر أساليب القمع والإكراه، وألا ينغمس في وحل السلطة ومحرّماتها، لا سيما أنها كثيرة المغريات والعطايا والمزايا، وهذا ما يجعل منها هدفا للساسة، وهو هدف مشروع، لكن العِبرة تكمن في النجاح أو الفشل عند التعامل مع السلطة أو المنصب.
كل حاكم يريد أن ينجح في إدارة السلطة، عليه أن يتقن جيدا فوائدها وسلبياتها، ويقارن جيدا بين الاثنين، هناك من يسعى لإسقاط الحاكم حتى من مؤيديه دون أن يقصدوا ذلك، فالحاشية مثلا مستفيدة من الحاكم ولا ترغب بإسقاطه عن قصد، لكنها يمكن أن تكون سببا في تدمير العرش والحاكم بأفعالها غير المشروعة، فمنهم من يخدع الحاكم بمعلومات مغلوطة، ومنهم من يمتدح الحاكم حتى في أخطائه.
هذه الأفعال تقوم بها الحاشية كي تحافظ على مصالحها ومكاسبها، لكنها قد لا تعرف بأنها تسرّع في إسقاط الحاكم، وبالتالي تسرّع بالقضاء على مصالحها هي قبل غيرها، وذلك حين يقلبون الباطل إلى حق، ويزيّنون السلطة للحاكم حتى في مكاسبها غير المشروعة، وقد يمنعون الناس من اللقاء بالحاكم توجسا أو خوفا على مصالحهم، وفي الغالب تحرص الحاشية على إخفاء الحقائق عن الحاكم وتزيّن له أفعاله ونتائج قراراته.
من الأمور المعلومة تاريخيا، أن السلطة أو الحكم الإيجابي يقوم على العدالة، ويرتكز على هذه الدعامة القوية، لكن تطبيقها غالبا ما يكون غاية في الصعوبة، لدرجة أن هناك من يقول، إن السلطة تستقطب المخادعين أكثر من الصادقين، فالمخادع يتقرّب للسلطة والحاكم بألف طريقة وطريقة، والإنسان الصادق يبتعد عنها ويتحاشها، خشية السقوط في إغراءاتها وهي كثيرة، لكن المخادع هدفه الاستفادة غير المشروعة، فلا تعنيه المشروعية من قريب أو بعيد.
بالنتيجة، لا يمكن وصم السلطة بالسوء أو السلبية دائما، لأننا يمكن أن نعثر على تجارب حكم مثالية، كما أننا يمكن أن نعثر على حكّام نموذجيين، لا يزال العالم يحلم بمثلهم، وهذا بحد ذاته، دليل إثبات على أن السلطة يمكن أن تكون منصفة وعادلة وناجحة، ولكن كل شيء يبدأ من ذات السلطة نفسها، فإن اتخذت من العدالة طريقا حقيقيا لها، وليس دعائيا، فإنها ستنجح وسوف تضيف رصيدا جديدا لتجارب السلطة الإيجابية الناجحة.