كيف نغيّر سلوك الفرد في الشبكة الرقميَّة؟

ريبورتاج 2022/06/28
...

   عمار عبد الخالق
يشكل تأثير الكلام منحى إدراك السلوك الذاتي للفرد وعملية التنمية الإنسانية الناشئة من تجذر البيئة والتكوين، وانسياقها بتعامل بمنصات التواصل الاجتماعي مع الاخر، إذ تعد الشبكة الرقمية الآن هي شاشة التحكم والمراقبة على العالم، ويعد مدى النجاح فن تسويق المنتجات الكلامية بجوهر البرامج الإلكترونية، بإثارة البصيرة  لدى الفرد وانعكاسه في العالم الحديث. 
 
فعندما نعلم أن عدد البشر المتصلين بالإنترنت في هذا العام 2022 أكثر من 4.88  مليار انسان، بزيادة سنوية  7 % وأن عدد مستخدمي تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي منهم أكثر من 3.196 مليار انسان بزيادة سنوية 13 %، الدلالة التعبيرية هنا هي تأكيد على استخدام الوسائل التقنية الحديثة للترفيه او التوعية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية، لمشاركة المعلومات والأفكار والآراء والثقافات المختلفة، والتعبير على الحريات الشخصيّة، والتسويق والعمّل، هذا منحى اما المنحى المغاير هو حسب إحصائية تمت الإشارة إليها في مجلة Business Insider أن كثيراً من الأفراد، خاصة المراهقين، يقضون ما بين 13 و18 سنة نحو 9 ساعات يوميا في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك أكثر من ساعات النوم والطعام والشراب وغيرها من الأنشطة! حتى يصل البعض إلى أنه لا يستطيع قضاء ساعة كاملة من دون تصفح منصات التواصل الاجتماعي، ما هي الطرق التي ترسم تغير سلوك الفرَّد في منصات التواصل الاجتماعي؟، ومن أجل هذا تم طرح السؤال على نخبة لامعة من الأكاديميين والمدونين العراقيين والعرب.
 
سرعة الوصول
يرى الباحث المتخصص بأدب الطفل وثقافته السعودي فرج الظفيري، منصات التواصل الاجتماعي غيّرت الكثير في سلوك الأفراد بشكل عام. وعادة لا يكون الاهتمام منصبًّا على التغييرات الإيجابية، لأنها ظاهرة للجميع، من خلال اكتساب مهارات وخبرات ومعارف جديدة، وسرعة وصول الخبر، وإمكانية التحقق من أكثر من مصدر، وتكوين صداقات، وإيجاد فرص عمل، وزيادة مصادر الدخل.. إلخ.
وأضاف، وعلى الجانب السلبي أول تغيير يمكن أخذه من كلمة (تواصل) نفسها، والتي يفترض أن تكون مدعاة لتواصل أكبر، لكن الدور الملحوظ لها الآن، أنها نقلت التواصل من كونه واقعيًا إلى افتراضي. وهذا أضعف المهارات الاجتماعية، بل زاد إلى إضعاف الترابط الأسري، حتى بات كل واحد من أفراد الأسرة يعيش في جزيرة منعزلة، له عالمه الخاص، وأصدقاؤه الخاصون، الذين ربما لا يعرفهم أحد من أسرته، ولا يعرفهم هو على حقيقتهم.
مبينًا، كما كان لوسائل التواصل تأثير في حياة الكبار، كذلك يمتد هذا التأثير في حياة الأطفال. ولا شكَّ أن الاستخدام المتوازن المدروس والموجَّه يعود بالنفع على الأطفال، وبنظرة واقعية، أصبحت الأجهزة لا غنى عنها، ودورنا هو تطويعها لتكون مصدر نفع لأطفالنا، من خلال ترشيد وقت الاستخدام، ومشاركة الأطفال في الوصول إلى أفضل المنصات.
مشيرا، الى أنّ المنصات بأنواعها هي في نظر الطفل لعب، واللعب أحد احتياجات الطفل التي يجب إشباعها، وفي المقابل الطفل يحتاج إلى الاندماج مع من حوله لإشباع الحاجات الاجتماعية، وتحقيق التواصل الإيجابي الذي يحقق له التوازن في شخصيته، ويشعره بالتقدير الحقيقي المحسوس على أرض الواقع. ومن الخطأ تركه فريسة لهذه المنصات، التي قد تقوده للانحراف السلوكي، أو تغذيته بأفكار دخيلة معادية لمجتمعه، وقد يكون الطفل عرضة للتنمر، الذي قد يؤدي به إلى الخوف أو الحزن، أو ارتكاب ما لا تحمد عقباه، وربما يدفعه إلى الانتحار، وقد تناقلت وسائل الإعلام عديدة لضحايا هذا التنمر.
وتابع، ومن التغييرات خلق حالة عدم الرضا عن النفس، عندما يرى الفرد ما يتمتع به الآخرون، خاصة أن المتابعة الأكبر تكون للمشاهير الذين ينعمون بأموال وممتلكات لا يجدها الشخص العادي، ما يجعله في حالة من السخط الدائم على نفسه، وإحساس بالنقص، ومن ثم الشعور بالحزن الذي قد يقوده إلى أمراض أو آثار نفسية.
ويمكن أن تمتد هذه الحالة إلى عدم الرضا عن الشكل، والخوف من عدم تقبّل الآخرين له، فلذلك يكثر استخدام المؤثرات لتحسين الصورة، من خلال فلاتر. وسلوك الفرد بشكل عام تغيّر، وتغيّرت أنماط حياة الناس، واختلفت ساعات النوم، ولعل الكثيرين باتوا يعانون من القلق والأرق.
 
حريات
أكد المدوّن العراقي عباس الحسناوي، الكثير من الأشياء تَغَيّرَتْ، البعض منها كان نحو الايجاب والبعض الآخر نحو السلب، فقسم من الناس استفاد وتطور من هذا التغيير من خلال زيادة الإمكانيات في المجالات العلميّة والثقافية والأدبية والكتابة، وقسم آخر ضاع أمام هذه التطورات والتغيّرات الحاصلة، ولكن لو أخذنا في ما يتعلق بحرية الرأي والرأي الآخر، نجد أن هناك تقدماً ملحوظاً في التَقَبّل والرد المتزن غير المتشنج يختلف عن الوقت السابق، وذلك لما نسمعه اليوم من آراء جديدة وطرح مختلف يدعونا إلى تقبّله، وبالأخص في ما يتعلق بموضوعات العقيدة والقضايا الاجتماعية.
عالم رقمي
كما أشار المدوّن البحريني أحمد العجيمي الى أن الثقافة الرقمية يعبر عنها بسيلان الصورة الكثيف والسريع، وبتحقق الواقع الافتراضي واستحقاقاته، كما تحقق العولمة بالتعبير الزمكاني، حيث يكون الزمن ذاته في كل مكان؛ أي أن الشخص بصورته وصوته يمكن رؤيته في القارات الخامس في ذات الوقت.
وأضاف، غيرت هذه الوسائط الرقمية في بث واستقبال الثقافة والتعليم الذي أصبح ألكترونيا، وصارت المنتديات والملتقيات والندوات الأدبية والمهرجات والأمسيات الشعرية تنقل رقميا، إن تدفق الصورة وسيلانها خلق ثقافة بصرية مشوشة، لا تسمح لمشاهديها بالتأمل والتفكير ومعرفة ما هو حقيقي وما هو مزيف.
وتابع، وفي ظل هيمنة تأثيرات الصورة صار التزييف نشاطا إجراميا مخادعا يمارس عن بعد، عبر الاتصال المرئي عن طريق الابتزاز الذي قد يؤدي استسلام الضحية أو انتحارها، كما فرضت الصورة المشاعة تسطحا في التفكير وعززت من نظام التفاهة الذي يعلي من مكانة فرد لا يستحقها، كما خلق وعزز فكرة القطيع والمريدين، الذين يتابعون ويتبعون الصورة، أعني صورة المتابَع ومكانته الرقمية وليس عقله وتفكيره ومنجزه العلمي والثقافي. وأظهرت كائن الفانشستا.
مؤكداً، عززت الوسائط الرقمية من استسهال الإبداع الأدبي عن طريق منحها، فرصا لكل من يريد أن يكون كاتبا أو شاعرا، دون اشتراط الموهبة وبعيدا عن النقد، بالطبع سهلت هذه الوسائط طريقة الاتصال وسمحت بتكوين جماعات تشاركية عن بعد في اهتمامات محددة مثل السياسة والأدب، وطرحتها كبديل عن الجماعات الواقعية.
 
"روتين"
وبيّنَ الباحث المصريّ د. مصطفى عطية، أضحت وسائل التواصل الاجتماعي مثل "الفيسبوك، وتويتر، والانستغرام، وتيك توك.. وغيرها"، جزءا لا يتجزأ من النشاط اليومي لكل إنسان عربي، قادر على الولوج إلى شبكة الإنترنت، ويمتلك حاسوبا أو هاتفا ذكيا، بل هي افتتاحية الصباح اليومية، التي يفتح الفرد العربي عينيه عليها، ولا ينام قبل أن يلقي النظرة الأخيرة على ما اشتملت عليه المنصات التي يشارك فيها من تعليقات وأخبار وآراء.
وأضاف، ومن هنا، يمكن الجزم بأن هذه المنصات لها التأثير الأكبر في عقلية ونفسية وسلوك الإنسان العربي، ولا يمكن بأي حال قراءة فكر أي إنسان عربي، سواء كان من النخبة أو العامة، إلا من خلال نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي باتت لها جوانب إيجابية كثيرة، لعل أبرزها أنها نافذة مفتوحة في أي وقت وفي أي مكان، للتعرف على الجديد والطريف والمستتر من الأخبار في عالم السياسة والاقتصاد والجريمة والاجتماع، وأيضا هي نافذة للبوح، يذكر فيها الإنسان رأيه، في كل ما يعنّ له من فكر ورؤية حول الأحداث والمواقف والأخبار، أيضا هي سبب للتواصل الحميمي بين الأصدقاء والأقارب، بعدما ذابت المسافات.
مبينًا، ولكن على الجانب الآخر، فإن هناك وجوها سلبية لهذه المنصات، تتمثل في كم التدليس والدسّ والخداع الذي يمارسه البعض، تحت مظلة حرية الرأي، واستقلال الفكر، ناهيك عما يسمى الكتائب الالكترونية، والتي هي عبارة عن مجموعات بشرية، تعكف على هذه المنصات ليلا ونهارا، تروّج لسياسات أو لدول أو قرارات أو توجهات، وتحارب كل من يخالفها في الرأي، وتسفّه طروحاته، وتحتقر وجهة نظره. 
مشيراً إلى أن البعد السلبي الآخر، والذي نراه جديرا بالأهمية، يتمثل في استهلاك الوقت الكبير الذي تأخذه هذه الوسائل، فهناك طائفة يمكن أن نطلق عليها مدمني السوشيال ميديا، ونعني بها هؤلاء الذين لا يغادرون المنصات الالكترونية في أية لحظة، بل هم متفاعلون دوما، وقد يدخلون في عراكات لا تنتهي حول قضايا وآراء وأخبار. والمشكلة أن كثيرين يرون الدنيا والحقيقة من خلال ما ينشر في هذه الوسائل من معلومات، وكثير منها غير مدقق ولا متيقن منه، بل فيه كم كبير من السموم الفكرية، والترويج لمذهبيات ومعتقدات طائفية وتغريبية.
مضيفًا، لا نعادي بمنع هذه المنصات الألكترونية، فهذا لا يمكن حدوثه، فوراءها تقف شركات عملاقة، تجني أرباحا طائلة، وإنما ننادي أن يرشّد الإنسان العربي ذاته، فيجعل للمعرفة الرصينة والرؤية العميقة والاطلاع الموثق المكانة الأكبر في حياته، وتكون هذه المنصات من باب التواصل الجميل، والنقاش المثمر، والتعاطي الإيجابي مع القضايا والأفكار، بما لا ينتج عنه إسفاف، ولا يسقطه في انحراف، يجعله نائيا عن الصراعات الشخصية، والمعارك الزائفة.