الصورة التشكيليَّة في قصيدة النوّاب

ثقافة شعبية 2022/06/30
...

 اعداد: ثقافة شعبية
 
الشاعر الكبير الراحل مظفر النواب كان إنسانا ًمتعدد المزايا، التي لا تنتهي بموقفه الإنساني والوطني وإبداعاته المختلفة، فهو تشكيلي وموسيقي، ومثقف موسوعي ومناضل ثائر، استثمر قدرته في الرسم على صياغة مفرداته ونحت عباراته على نحو مدهش، حتى أنه أسبغ عليها بعض ألوانه التشكيلية كما في قصيدة "البنفسج"، وملحمته الشهيرة "حجام البريس" التي جاء فيها:
ويگولولك احنه نموت
وابنك واگف محزم عله الدنيه، چبير التوت
 ويگولولك احنه نموت
 هاي بيوتنه وذولاك أهلنه
   والچواير گطه
   ودخان المعامل واصل التالي الشلب
  والشلب ناهبله گصيبه من الشمس
                        گبل الصبح                         بسكوت 
إذ يقول الناقد الراحل الدكتور حسين سرمك حسن في معرض حديثه عن هذه القصيدة في دراسة له: "إن تأمّل الصورة التشكيلية – والنواب رسّام تشكيلي مجيد كما يعرف عنه – لانتشار "الچواير" مثل أسراب القطا على وجه الأرض يضخم حالة التكثير بدرجة صادمة يزيد دقتها التماثل اللوني والكتلي للجانبين . ويتعزّز انفتاح الصورة الهائل في منظر الدخان المنطلق من مداخن المعامل والذي يصل إلى نهايات حقول الشلب المترامية الأطراف. هذا الشلب الذي نهب ضفيرة ذهبية مدهشة من شعر الشمس، فيحصل تضاد لوني لافت يبهر البصر بين سماء سوداء أو رصاصية وأرضية صفراء أو ذهبية. وهنا تتجلى أيضا الرؤية في حرية انتقاء الفعل المناسب الذي يطابق حالة التكثير ويثريها. كان بإمكان الشاعر أن يقول : ( والشلب بايگله گصيبة من الشمس )، كان الخيار مفتوحا أمامه بين الفعلين: "نهب " و" باگ – سرق " . وفي الخيار الثاني "بايگله " لن يختل البيت عروضيا أولا وسيعطي المعنى المقصود نفسه ثانيا، لكن هذا الخيار لن يمنح الصورة ضراوتها المطلوبة، إذ يفوق النهب حالة السرقة بمراحل من حيث شدة التعدّي العدواني من ناحية ومن حيث الرهبة النفسية التي يسببها حجم الغنيمة المتخيل من ناحية أخرى، لأن وقوع الفعل قبل الصباح وبصمت خلال إغفاءة الشمس المهيبة يعني الرهاوة في الكمية المستولى عليها. السرقة عمل عدواني لكن النهب عمل عدواني وعنيف؛ لكن أي عنف؛ إنه العنف النوّابي الآسر المحبب الذي وسم الثورة النوابية".