النواب في أربعينيته

ثقافة شعبية 2022/06/30
...

كاظم غيلان 
 
"عند الموت يكون الشاعر وحده"، من مسرحية مظفر النواب (الشاعر ليس استيرادا).
ها هي أربعين يوماً تنتهي لغياب مظفر النواب، ولربما هي المرة الوحيدة التي لم أسارع فيها لتكذيب خبر وفاته مثلما فعلتها مرارا، كانت أخبار موته مفبركة مسمومة الغايات، تقف خلفها أسماء وفضائيات جميعها تبث حقدها في صياغة خبر موته لتشفي غليلها وتمارس غلها. وأقول هذا بقوة القهر، لأن العديد منهم كان يصر على إبقاء منشوره برغم تكذيبه من عائلة النواب نفسه أو من مصادر مقربة منه موثوقة جدا.
هذه المرة أغمض عينيه مظفر وغادرنا، سلم الروح في مشفى بالشارقة ليحمل إلى بغداد التي أحبها وكأنه يعيد بيته الشعري: 
" اموتن ونتي حدر العين تتونسين"
  ثمانية وثمانون عاماً طواها ختام الموت أخيرا، معظمها أعوام المنفى، وهذه المرة يحق لنا أن نقول :
"رحل عن الدنيا شاعر المنفى بامتياز" بعد أن أساء البعض للمنفى بدلالته السياسية، فالمنفى ليس اضطرارا جغرافيا، وليس رحلة سياحية، المنفى لمن يعرفه أعلى درجات القهر والحرمان، إلا أنه كان وطنا لمظفر النواب، عاش معه حتى كاد يصرخ :
المنفى يمشي في أيامي 
في أحلامي 
في كل قطار أركبه 
في كل العربات أراه
حتى في نومي 
يمشي كالطرقات أمامي. 
مظفر لم يفجع أهله ومقربيه من الأصدقاء برحيله حسب إنما أفجع الملايين ممن وجدوا في قصيدته ملاذا ومتنفسا، وحلماً من أحلام الخلاص، أفجع المحرومين والمسحوقين الذين ناصبتهم حكومات بلدانهم عداءً سافراً وقحاً.   
مظفر حاربته حكومات القمع العربي التي سخر منها كثيرا ولاحقها بشتائم تستحقها جدا، وبقدر ما فتحت عليه نيران حروبها إلا أنه جابهها ورد عليها برصاص اسمه الشعر.
رحل مظفر جسدا فقط، إلا أنه يبقى قائماً في وجداننا، يمشي شعرا بيننا، ومعنا، ويذهب بنا إلى عوالمه التي هندست لنا ذائقتنا المحشودة بغناء لا ينتهي إلا بالغناء 
وحده.