ما أهمية الخطط للنهوض بالواقع المؤسسي؟ الفساد والمحسوبيَّة يغيّبان الستراتيجيَّة عن المفاصل الحكوميَّة

ريبورتاج 2022/06/30
...

   محمد عجيل 
   تصوير: نهاد العزاوي
منذ أن وجدت الحكومات كان للمؤسسات دور فاعل في إيجاد الأرضية الخصبة للنهوض بجميع المفاصل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويرى علماء الإدارة وفي مقدمتهم فردريك تايلور في كتابه إدارة الورشة الصادر عام 1930، أن فن الإدارة هو المعرفة الدقيقة لما تريد عمله ولا يمكن معرفة ما تريد عمله من دون خطط وستراتيجيات، الهدف الأساس منها هو التأهيل والتدريب واختيار الشخص المناسب في المكان المناسب بعيداً عن الفساد والمحسوبية، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستعين بشاعر وأديب من أجل أن يدير لك مصنعاً، وبالتالي لا يمكن أن تستعين بمهندس ميكانيك ليدير لك صحيفة أو مجلة تتحدث عن الواقع السياسي للبلاد، وما نريد الوصول إليه هو أن البلدان تتطور وتنهض من خلال خططها وستراتيجياتها سواء السنوية المحدودة او بعيدة المدى.
من هم الستراتيجيون؟
السؤال الذي يطرحه عامة الناس هو هل هناك ستراتيجيون في العراق، ومن هم الستراتيجيون على وجه التحديد؟، الستراتيجيون هم أنماط من القيادة النموذجية بارعون في التعامل مع جميع الظروف التي تحيط بالمؤسسة سواء كانت حكومية أو من القطاع الخاص، وهم يفكرون بطريقة مبتكرة تسمى مجازا بطريقة التفكير، ومن هنا نحاول الوصول إلى جواب للسؤال الأول، هل هناك ستراتيجيون في العراق؟، للأسف نقول نعم هناك ستراتيجيون بالعشرات إن لم نقل بالمئات، لكن هناك من يحاول أن يغيبهم عن أماكن صنع القرار في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية لأسباب قد تتعلق بالفساد المستشري في المؤسسات تارة، وتارة أخرى بالمحسوبية والمنسوبية وهما وجهان من أوجه الفساد.
يقول الدكتور نصير ابراهيم من جامعة المستقبل: إن ضعف الأداء المؤسسي الذي انعكس سلباً على الأداء الوظيفي ومن ثم على حاجيات الفرد، سببه الأساسي ضعف الخطط والستراتيجيات المتاحة للنهوض بواقع الموارد البشرية، لأن العمل الوظيفي يحتاج إلى تقييم سنوي ومن ثم تمكين الموظفين من أداء مهامهم عن طريق خطط وستراتيجيات تضعها الإدارات في التدريب والتطوير وزيادة المهارات، والتركيز على القدرات الذهنية والإبداعية، وما دون ذلك يبقى الشكل الوظيفي يصارع الإهمال والجهل.
بينما ترى أستاذة علم الاقتصاد في جامعة أهل البيت الدكتورة زينب حميد "أن اقتصاد السوق يشهد تنافساً حاداً نتيجة ارتفاع متطلبات المستهلك، ولا بد من دراسته بشكل مستفيض، ومن ثم وضع الخطط السنوية أو ذات المدى البعيد لتحقيق الغايات أو الأهداف".
 
غياب فن الإدارة
تشهد غالبية المؤسسات الحكومية وخاصة بعد المتغيرات السياسية التي أعقبت الاحتلال الأميركي عام ٢٠٠٣ ، غياباً واضحاً وصريحاً لفن الإدارة، والتي تعني اتخاذ كل ما يلزم من أجل تحقيق الأهداف، إذ لم نسمع يوماً ما إلا نادراً، أن مديراً لمؤسسة حكومية تصدى لقرارات او توجيهات مبنية على أسس خاطئة، مثل التوظيف بغير محله، والاعتماد على أشخاص غير قديرين في تنفيذ المهام والواجبات، وبالنتيجة فإن غياب الإدارة الناجحة يعني غياب الخطط والستراتيجيات التي تضعها السلطة العليا في المؤسسة، وينفذها الموظفون بشتى صنوفهم. 
ونعود إلى حديث الدكتور نصير ابراهيم الذي أكد أن "تطور العمل الإداري يعني أن هناك رؤية صحيحة مستندة إلى أسس علمية تسمى ستراتيجيات، والتي تعد بمنظورنا الأسلوب الأمثل في إبعاد كل شائبة عن العمل المؤسسي، ومن ضمنها القضاء على الفساد"، وتابع أن "الستراتيجية تعد بمثابة إطار يتم من خلاله اتخاذ القرارات الإدارية المتكاملة وهي تعد القوة الدافعة للمؤسسة".
بينما يرى الخبير الاقتصادي مؤيد وتوت أن "هناك مخاطر وتهديدات سواء كانت داخلية او خارجية تواجه العمل المؤسسي، ولهذا فإن العمل يتطلب وجود ستراتيجية بعيدة المدى لغرض مواجهة تلك المخاطر، اضافة إلى أن تلك الخطط تحدد نوعية المنافسة، أي ماهي الجوانب التي يمكن التخلي عنها وفي كيفية تحديد مهام العمل المؤسساتي، ومن هنا نصل إلى نقطة جوهرية وهي أهمية التخصص في تقديم الخدمات المتاحة للمواطن، وإشباع رغباته من خلال خدمة متميزة".
 
الإدارة المالية
أحد أهم التحديات التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر هي الإدارة المالية والتي تسببت بشكل أساسي في أغلب مشكلاته الداخلية والخارجية، إذ يعرفها استاذ مادة الإدارة المالية الدكتور مزاحم رسول من جامعة الكوفة بأنها علم يهتم بدراسة الأصول وتوجيه المصادر المالية المتاحة إلى جوانب أفضل استخداماً مستنداً إلى طبيعة القرار داخل المؤسسة، ومن هنا نركز على ضرورة النهوض بالواقع المؤسسي المالي في العراق عبر ستراتيجيات وخطط متاحة مستندة على قدرات وإمكانيات بشرية متخصصة في علم المال والأسواق. وأكد أن "غالبية الإدارات المالية في العراق تضع خططاً آنية تستهدف فيها المواطن لفترة محددة، وهذه من الأخطاء الجسام التي يقع فيها المشرع المالي، وإذا ما عدنا إلى الوراء للسياسة المالية التي تتعلق بالاقتراض سواء الداخلي او الخارجي نجدها خالية من الستراتيجيات التي تركز على الأهداف البعيدة المدى التي يمكن للحكومة تحقيقها من تلك الأموال، واعتقد أن غالبية الدول تقترض من أجل تنمية الواقع الاقتصادي وليس بذخ الأموال على المشاريع الاستهلاكية التي تجدد في سنوات قليلة، وربما يقف خلف ذلك التغييب الذي يستهدف العلمية في المؤسسة المالية سواء على رأس الهرم المؤسساتي او في بقية المفاصل المالية الحكومية، وأرى من الضروري جداً إعطاء أولوية للقطاع الخاص في رسم الستراتيجيات المالية، طالما أنه شريك اقتصادي أساسي له ما له وعليه ما عليه، وربما لا تستطيع الحكومة بقدراتها المتاحة أن تبني الخطط والستراتيجيات، فإنها قد توكل للقطاع الخاص أن يدخل كشريك معها في بعض المفاصل".
 
نظم المعلومات
ويطرح أستاذ إدارة الإعلام في جامعة الأديان والمذاهب الإيرانية الدكتور سيد مرتضى اسماعيلي طبا، قضية مهمة في مناقشته للستراتيجية والتخطيط، وهي تتعلق بمدى استخدام المديرين في المؤسسات لنظم المعلومات لغرض اتخاذ القرارات، اضافة إلى وجود مدير او مسؤول متخصص في نظم المعلومات إلى جانب ضرورة تحسين بيانات نظام المعلومات الإدارية باستمرار.
ويضيف الدكتور طبا، أن "الثقافة هي العامل الرئيس في كيفية وصف الأهداف وأداء المهام وتنظيم الموارد وقال: إن المدراء الذين يتمتعون بثقافة تنظيمية قوية هم أكثر نجاحاً في تحفيز الموظفين، أي عندما يشعر الموظف أن نتيجة جهوده تظهر في النظام فإنه يبذل المزيد من الجهود لتعزيز الستراتيجية للمؤسسة وأهدافها، كما أنه من المهم التوأمة بين الأهداف والستراتيجية والثقافة التنظيمية، لأنه إذا كانت ستراتيجية معينة لا تتوافق مع ثقافة المنظمة، فإنها ستمنع تحقيق الأهداف المرجوة. 
وأكد أهمية تحليل البيئة الخارجية التي تؤثر في أداء المؤسسات باستخدام تحليل (SwoT)، ومن خلاله تستطيع المؤسسة أن تفهم التهديدات التي يمكن أن تواجهها مثل تغييرات اقتصادية في السوق او تغييرات معينة في القوانين التي قد تؤثر بشكل سلبي، مثل الديون الكبيرة، وكذلك يمكن للمؤسسة أن تستكشف فرصاً يمكن تطبيقها من أجل تطوير العمل، وزيادة الأرباح ورفع فعالياتها.
وأخيراً يبدو لنا أن الستراتيجية على مستوى المؤسسات الحكومية قابلة للتطبيق إذا ما توفرت الإرادة والنزاهة، لأن العراق مليء بالخبرات المتراكمة والأدوات التي يمكن من خلالها الولوج إلى عالم التطور ومواكبة فرصة النهوض على مختلف المستويات.