أوبئةٌ منسيَّةٌ تُعاود الظهور وتبث الخوف في النفوس

ريبورتاج 2022/06/30
...

 فجرمحمد
بدأت الأمراض والاوبئة التي كادت أن تصبح من الماضي بالزحف والظهور رويدا رويدا، اذ لم يعد مستغربا أن تجد أحدا أو عدداً من أفراد الأسرة مصابين بالحمى النزفيًّة، في حين تعاني أخرى من  جدري الماء، بينما تواجه أسرة اخرى من تسلل الكوليرا، وإصابة أحد أولادها بهذا المرض، بل وصل الحال إلى اعلان حالة طوارئ في إحدى محافظات البلاد، خوفا من تفشي هذا المرض، ولا ننسى ما لجائحة كورونا من نصيب، فهي الاخرى عاودت نشاطها وزاد أعداد الإصابات بها، بعد أن انخفض بشكل ملحوظ.
فلماذا هذا الانتشار الكثيف والمتسارع لتلك الأمراض والأوبئة؟.
حمى نزفيَّة
بضاعة تبحث عمن يشتريها، هكذا أصبح حال اللحوم في عدد من محال القصابة والمولات، فعلى الرغم من تأكيد هؤلاء الباعة لزبائنهم أن لحومهم نظيفة وخالية من الأمراض، الا أن الخوف يتملكهم، فيتجهون للحوم البيضاء ويتركون الحمراء، لم تخلُ ثلاجتي يوما من اللحوم، وهي المفضلة لدى اولادي، لكني اليوم استهلكها بحذر وترقب، هكذا عبرت سوسن حميد عن مخاوفها، وتابعت القول "يحب اولادي اللحوم كثيرا، ويستمتعون بتناولها ويطلبون مني دائما إعداد أكلات يكون اللحم فيها العنصر الاساسي، ولكن بعد ظهور حالات الحمى النزفية اثرت الامتناع عن جلب اللحوم للمنزل وطهيها".
اشارت الابحاث والدراسات المنشورة، إلى ان اول ظهور للحمى النزفية في العالم كان في عام 1944، ثم ظهر ثانية في ستينيات القرن الماضي، ومؤخرا اعلن العراق عددا لا يستهان به من الحالات، والذي عزته السلطات ذات العلاقة وتحديدا البيئية إلى انعدام شروط الذبح الصحيح، وانتشار العشوائي الذي يخلو من الضوابط والفحوصات.
كما وضحت عددا من المصادر البيطرية، أن غياب اجراءات الوقاية ومكافحة الحشرات، ومن بينها القراد، خصوصا في فترة جائحة كورونا، ووفقا لتقرير بثته "سي ان ان" نيوز فإن هناك مخاوف حقيقية من تفشي الحمى النزفية في البلاد.
 
الحماق
لن يكون مستغربا اذا ما أصيب يافع أو مراهق بما يعرف بجدري الماء او الحماق، وفي أوقات محددة من السنة وتحديدا بموسم الربيع، ولكن أن تصاب طفلة، لم تتعدَ العامين بهذا المرض، فهو غالبا أمر نادر الحدوث، بحسب الطبيب المعالج لها، ولذلك بدأت معاناة سهير ناصر مع طفلتها شهد، التي بدأت تعاني من الحكة الجلدية وظهور البثور، "ولصغر سنها فهي تمنعني من وضع المراهم لها" بحسب قول والدتها سهير وأصيبت الصغيرة بالمرض بعد اصابة شقيقيها الأكبر منها سنا.
ويشكل هذا المرض مصدر ازعاج للكثيرين، لأنه يتسبب بظهور بثور جلدية، قد تترك أثرا لاحقاً في الوجه والجسم.
 
انعدام المساواة
الخوف والرعب سيطرا على (أم اشواق)، عندما أصيبت ابنتها الصغرى بوعكة معوية، على الرغم من أنها منعت دخول الأطعمة من خارج المنزل، منذ أن بدأت حالات الكوليرا بالظهور، الا أنها كانت قلقة جدا، ولذلك أجرت الفحوصات والتحاليل، وتأكدت من سلامة ابنتها حينها فقط تنفست الصعداء.
منظمة الصحة العالمية أشارت في تقاريرها المنشورة على موقعها الالكتروني إلى أن عودة الكوليرا دليلٌ على عدم المساواة في التنمية الاجتماعية، لأنها تظهر عندما تنعدم الشروط الصحية لعيش الانسان، على سبيل المثال المياه الملوثة والاطعمة.
ورجحت وزارة الصحة مؤخرا امكانية انتشار الكوليرا، وبينت على لسان متحدثها الدكتور سيف البدر أن الأطعمة والمياه الملوثة تنقل المرض من الشخص المصاب إلى السليم، وأن كبار السن والاطفال هم الفئة الاكثر تضررا، لذا يجب أخذ الحيطة والحذر.
 
بنى متهالكة
لن أنسى أبدا ذلك المنظر المؤلم، عندما أصيب زوجي بفيروس "كورونا" واضطررنا إلى نقله لأحد المستشفيات الحكومية، اذ كانت تكتظ بالمصابين من مختلف الفئات العمرية، تستعيد ابتهال ناصر تلك اللحظات المؤلمة، اذ تقول: "كنت أركض بين الردهات بحثا عن الطبيب المعالج، وبينما أنا أتنقل من مكان إلى آخر كانت الأسِرة ممتلئة بالمصابين، والردهات تفتقر إلى أبسط الشروط الصحية".
يرجح المراقبون إلى أن انتشار الأمراض والأوبئة، غالبا ما يكون نتيجة تهالك البنى الصحية وغياب الشروط اللازمة، وأن عودة الارتفاع بأعداد الاصابات بجائحة كورونا تقف وراءها أسباب متعددة، منها تجاهل هذا المرض بشكل نهائي والاستغناء عن الكمامات الواقية.
اما في ما يخص باقي الأمراض والأوبئة، فمن المرجح أن الجفاف الذي بدأ يزحف على مناطق معينة، وأزمة المياه ستكون عاملا بظهور أمراض جديدة، وربما عودة القديمة التي من المفترض أنها انتهت واضمحلت من البلاد.