بدور العامري
لم تكن الأمور تسير على ما يرام مع الفتاة حوراء علي ذات ( 13 ربيعا)، عندما نقلتها والدتها إلى مدرسة أخرى قريبة من محل سكناهم الجديد، اذ أصبحت تتعرض للتنمر المستمر من قبل زميلاتها في الصف، بسبب السمنة التي تعاني منها، ما اثر سلبا في حالتها النفسية، وبالتالي تسبب بتدني مستواها الدراسي، والدة حوراء طالبت الجهات المعنية باتخاذ خطوات جادة للتعامل مع هكذا حالات وغيرها، يمكن أن يتعرض لها المراهقون. أم حوراء ثمنت دور برنامج مساعدة اليافعين الذين تواصلت معهم هي وابنتها، واستطاعت أن تحصل على النصائح والإرشادات، التي يجب اتباعها في مواجهة التنمر، إضافة إلى فتح قنوات الحوار مع إدارة المدرسة ومدرساتها لمعالجة جميع أنواع المشكلات التي تعاني منها الطالبات.
مرحلة حرجة
يلخص المختصون في مجال الصحة البايولوجية والنفسية مفهوم مرحلة اليافعية بأنها "التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وهي في الواقع لا تعني (النضوج)، بل إن اليافع يبقى بحاجة إلى عدة سنوات للوصول إلى اكتمال النضج، وبحسب ذوي الشأن فإن هذه الفئة العمرية حرجة جدا، لما لها من تأثير كبير في تكوين الشخصية مستقبلا، سواء كان للذكر أم للأنثى، فضلا عن التغييرات والتطورات، التي يمر بها الفرد سواء على الصعيد النفسي أم طريقة التفكير، يضاف إلى ذلك التغييرات الهرمونية والجسدية المختلفة لكلا الجنسين، لذلك يحتاج الأفراد في هذه المرحلة إلى اهتمام خاص ورعاية كبيرة من الأسرة، باعتبارها فترة مهمة جدا لليافع، وقد تنعكس سلبا على تفكيره وسلوكياته اذ لم تتم السيطرة عليها.
استشارة مجانيَّة
إخصائية طب الاسرة والمجتمع ومسؤولة برنامج تعزيز صحة اليافعين في شعبة الصحة المدرسية في وزارة الصحة الدكتورة عبيرعبد الكريم، تحدثت عن هذ البرنامج، الذي يقدم خدماته للتلاميذ وطلبة المدارس، الذين تتراوح أعمارهم (10- 19) سنة، قائلة إن "تعريف الصحة الحقيقي هو أن يكون الشخص في حال توزان تام من الصحة الجسدية والروحية والنفسية والاجتماعية، ولذلك يتميز الأشخاص في هذه المرحلة العمرية، بكونهم أكثر تعرضا للمشكلات النفسية والاجتماعية، ففي حال لم تتم معالجتها سينشأ فرد بالغ يعاني من تراكمات نفسية واضطرابات اجتماعية، ستؤثر قطعا في مسار حياته والمحيطين به".
أرقامٌ ساخنة
وبحسب عبد الكريم فإنه لأهمية هذا الأمر عملت وزارة الصحة مؤخرا على إطلاق مشروع تقديم الاستشارة الصحية والنفسية والاجتماعية لفئة اليافعين بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حيث تمَّ تخصيص أرقام مجانية للاتصال باللغتين العربية والكردية، وأوضحت عبد الكريم أنه يتمُّ استقبال الاتصالات من قبل كوادر متخصصة ومدربة من وزارة الصحة والمنظمات الدولية، حول التعامل مع جميع الحالات لإعطاء الحلول المناسبة بمهنية عالية، مبينة أن "أغلب العاملين على هذا المشروع هم باحثون اجتماعيون ومن كلا الجنسين، وتستقبل الاتصالات من الساعة 9 صباحا حتى 9 مساءً على طول أيام الاسبوع ماعدا الجمعة والسبت.
سريَّة الاتصال
قد تثير خدمة الاتصال بالمختصين خوفاً وريبةً في نفوس الآباء والأمهات لخطورة المشكلات التي يمر بها أبناؤهم، إلا أن الدكتورة عبير أكدت سرية الاتصال، كما أن هذه الخدمة لا تقدم لليافعين فقط، بل توفر الاستشارات والحلول الناجعة لأولياء الامور، وتجدر الاشارة إلى أن هناك مراعاة لخصوصية المجتمع العراقي المحافظ، حيث لا يتم طلب الاسم أو العنوان، أو أي معلومة خاصة باستثناء المحافظة، التي يسكنها طالب المشورة، لأغراض إحصائية فقط، ومن جانب آخر أشادت مسؤولة الصحة المدرسيَّة بالتعاون والتنسيق مع المدارس المشمولة بالبرنامج كمرحلة اولى، وهي أربع مدارس في بغداد، بواقع مدرستين في كل جانب، على أمل أن يشمل البرنامج اكبر عدد ممكن من المدارس، بهدف الوصول إلى اليافعين في كل مكان وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهم.
الإدمان
تشير الدراسات والتقارير إلى أن الإدمان يعد من أهم المشكلات التي يعاني منها المراهقون والشباب في الوقت الحالي، اذ بدأت رقعته بالاتساع نتيجة لعدة عوامل منها ما يتعلق بالانفتاح على المجتمعات الأخرى، ومحاولة تقليد السلبيات التي تسوقها المجتمعات الغربية، مثل تناول الكحول وإدمان المواد المخدرة والتدخين.
وبحسب الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي فإن أصدقاء السوء والعنف الأسري من أكثر العوامل التي تتسبب بمشكلات المراهقين والانحراف السلوكي والاخلاقي، إذ يبدأ اليافع بالانجرار خلف الصديق، الذي لا يمنعه من تجربة الأشياء السيئة مع وجود بعض أولياء الامور، الذين فشلوا في اتباع اسلوب ناجح وصحيح في تقديم النصيحة وتقويم سلوك الابن المراهق، ويبيّن الخفاجي أن تقليد الأصدقاء هو بمثابة (سلوك جمعي)، يدفع الفرد إلى الانضمام إلى الجماعة ومحاولة تقليد تصرفاتهم حتى لو كانت سلبية.
مشكلات أخرى
وتشير الدكتورة عبير إلى أن التنمر والعنف الأسري وصعوبة التواصل مع الأهل من المشكلات، التي تواجه اليافعين وتتسبب لهم بتراجع المستوى الدراسي، كذلك في حال كان اليافع يعاني من مرض عضوي معين يسبب له بانعكاسات نفسية مثل القلق والاكتئاب، إضافة إلى مشكلات التغذية (زيادة الوزن او النحافة)، وغيرها من الحالات التي يمكن أن تواجه اليافع، يعمل البرنامج على التعامل معها وإيجاد الحلول المناسبة، حيث يتم استقبال مكالمات واستشارات الذكور من قبل الرجال، اما الإناث فتستقبلها الطواقم النسوية، وبالفعل تم تلقي اكثر من 400 اتصال خلال الشهرين الماضيين مع الطموح إلى زيادة الأعداد، وتوسيع هذه الخدمة لاعتقادنا بتزايد مشكلات اليافعين واتساعها.
يعتقد المختصون أن عقد اللقاءات والندوات التثقيفيًّة واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية الأخرى، من شأنها أن تكون فرصة لإيصال المعلومة، وإيجاد مناخ للتفاعل بين المؤسسات وأولياء الأمور، وبالتالي الاستفادة قدر الإمكان من الخدمات الصحيَّة والإرشادية المتوفرة.