الاحتباس السياسي

آراء 2022/07/01
...

 كاظم لفتة جبر
 
إن ذكر مصطلح الاحتباس يتهيأ لنا في الذهن فكرة الدمار التي تسببه الحرارة لكوكبنا عندما يصل هذا الاحتباس لذروته، ومع ارتفاع حرارة الطقس في العراق وغياب شبه تام للكهرباء في البلد والتي ترجع إلى أسباب سياسية، ما يمر به العراق ما هو إلا نموذج للاحتباس نظرا للاقتراب من ذروته وهو ناتج عن تنازع الأفكار والمبادئ والخلفيات المرجعية لكل تيار او حزب، ومن أسباب هذا الاحتباس أن كل حزب بما لديهم فرحون، لكون كل يرى فكرته هي الناجعة والأقرب إلى الحقيقة السياسية لإدارة البلد، الأغلبية الإصلاحية، والتوافقية المحافظة، هما طرفا الصراع في السياسية العراقية، مع تماهي الأطراف الأخرى مع الفكرة هذه أو تلك بحسب مصالحهم السياسية، فبعد أن تمت إدارة البلد لعقدين من الزمن وفق المنهج التوافقي، وخير ما انتج عنه هي المحافظة على الأسماء نفسها وفق نظرية التدوير السياسي للأفراد، فبقاء الأفراد يعني بقاء الأفكار نفسها لا لكون عقولهم غير قابله للتمدد، بل لكونهم ذات مرجعيات وأيديولوجيات تؤمن بالمحافظة على المواقف والمصالح المذهبية، فنظرية التدوير غير قابله للتمدد لكونها محدودة بإطار، وهذا بدوره يلبي طموح البقاء في السلطة مع عدم الاهتمام بفكرة قيام دولة عصرية ليبرالية، تلبي احتياجات الشعب وفق القانون والعدالة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ويتم ذلك عند اختيار الأشخاص وفقا لكفاءته، بل التوافق ينتج دولة المحسوبية والمنسوبية، وهي باقية لأنهم محافظون على منهجهم ليس لأنهم اصحاب فكر ودراية، بل من أجل التشبث بالسلطة وادامة زخم الفكر المذهبي في البلاد، اما منهج الأغلبية هو قائم على فكرة حكم الأكثرية للإقلية، لكن المعنى بالأغلبية هي السياسية، وليس اكثرية الشعب، وهذا هو الفرق في تطبيق الديمقراطية بين طرفي الصراع، حيث إن المحافظين يرون في الأغلبية سكانية، والإصلاحين يرون في الأغلبية كمنهج سياسي، بغض النظر عن الأغلبية السكانية، إن المنتج للأغلبية السياسية هو الشعب، والمنتج للتوافقية هم السياسيين، فالمحافظون يرمون تطبيق الديمقراطية غير المباشرة، والآخر الاصلاحي يرى في الديمقراطية يجب أن تكون حكم الأغلبية السياسية الفائزة، فمهما تعدد هذه المفاهيم تبقى الديمقراطية الحقة هي التي تقر بحقوق الشعب وتؤمّن له حاجاته الغذائية والامنية، دون تفرقة بين احد الأفراد مهما تعددت وجهات نظرهم. 
فبعد انسحاب اصحاب الأغلبية السياسية، أصبح الأمر واضحا لتشكيل الدولة وفق منهج التوافق المحافظ مع الاتفاق مع المكونات الأخرى، لكن هذا العناد السياسي في الإصرار على الحكم وفق نظرية التدوير فاشلة لكونها مجربة، وتعترض فكرة التغير، وهي ما يجعلها تنتقل إلى مرحلة الاستبداد السياسي، فالسد مهما كان قويا لا بدّ من أن ينهار، اذا لم تفتح بوابته للتغيير وتصريف مجرى الفساد الآسن في الدولة.