عبدالزهرة محمد الهنداوي
تمثل المنافذ الحدوديَّة في أي بلد، رمزاً سياديّاً مهماً، لأنَّها ترتبط، بالاقتصاد والتجارة والأمن بكل أنواعه الغذائي والصحي، لذلك تحرص حكومات العالم، على التعامل مع المنفذ الحدودي على أنَّه يمثل حرما مقدّسا، لا يُسمح بانتهاكه من قبل أي كان، وعلى هذا الأساس، يتم اختيار الملاكات التي تعمل في المنفذ بعناية فائقة، تجعلهم قادرين على التعامل مع أي موقف وأي حالة، وأي مشكلة أو أزمة يمكن أن تحدث في أي لحظة، فضلا عن استخدام الآليات والتقنيات والبرامج الالكترونية، التي يصعب اختراقها، وعلى الرغم من هذه الإجراءات، تبقى المنافذ الحدوديَّة عرضة للاختراق من قبل مافيات التهريب.
وفي العراق، الذي لديه 24 منفذا بحريَّاً وبريَّاً وجويَّاً، فإنَّ الصورة الذهنيَّة المتبلورة في أذهان الكثيرين، هي تلك الصورة السلبية، المرتبطة بمنظومات الفساد والتهريب، وسيطرة هذه الجهة او تلك على هذا المنفذ او ذاك، وفي فترات سابقة كانت هناك الكثير من المحاولات لتغيير هذه الصورة، ولكن يبدو أن تلك المحاولات لم تحقق أهدافها، ولعل ذلك مرتبط بجانبي الإدارة والإرادة التي تقف خلف أي إجراء يمكن أن يسهم في تنظيف المنافذ الحدوديَّة من أي أورام أو أدران تشوبها، بما في ذلك انخفاض معدلات الايرادات السنويَّة للمنافذ، على الرغم من ارتفاع كبير في حجم الاستيرادات الخارجيَّة، ومن المؤكد ان الكثير من الاخفاقات السابقة لا تتحملها الادارات المتعاقبة للهيأة، بلحاظ قوة وتحكم منظومات الفساد في عملية دخول البضائع والسلع، وكذلك المسافرون، وعن هذه الجزئيَّة يتحدث رئيس هيأة المنافذ الحدوديَّة اللواء عمر الوائلي، أنَّ عمليات الفساد التي كانت سائدة في المنافذ، هي عبارة عن تواطؤ وتخادم مشترك بين سلسلة من العاملين في المنفذ، وهم من دوائر مختلفة، لذلك كانت عملية ضرب وتقطيع هذه السلاسل، تتحقق من خلال عملية التدوير للملاكات العاملة، وإبعاد العناصر المشبوهة، وقد كان لهذا الإجراء أثر واضح في تغيير مسارات العمل في المنافذ.
ويبدو واضحا أن عمل الهيأة شهد وتيرة مختلفة خلال الفترة الأخيرة، ففي كل يوم تحمل لنا الأخبار كما نوعيّا مهمّا من الإجراءات في عملية ضبط ايقاع العمل في جميع المنافذ المتمثلة في ضبط الكثير من المخالفات الخطيرة والكبيرة، مثل المخدرات وتهريب أغذية فاسدة، وغير ذلك الكثير، ومرد ذلك يعود بالتأكيد إلى الأتمتة الالكترونية وعملية التدوير للملاكات بنحو مستمر، والتخلص من الفاسدين بعد إحالتهم للقضاء، التي شرعت بها هيأة المنافذ الحدوديَّة وتمكّنت من خلالها من إيقاف وكشف وتفكيك الشبكات والمافيات التي كانت تصول وتجول بلا حسيب او رقيب، وكان من نتاج تلك الإجراءات زيادة ملحوظة في حجم الإيرادات المتحققة
سنويَّاً.
ولكن التحدي الأكبر الذي ما زالت تواجهه المنافذ الحدوديَّة، هو عدم خضوع منافذ اقليم كردستان، الى ذات الإجراءات السارية في المنافذ الاتحاديَّة، على الرغم من ان جميع المنافذ ينبغي ان تخضع للسلطات الاتحاديَّة، وهذا الأمر دفع الكثير من التجار والمستوردين الى الذهاب نحو منافذ الاقليم لادخال مستورداتهم لقلة الرسوم والتكاليف هناك، وعلى هذا الأساس، فإنَّ المصلحة العليا والجدوى الاقتصادية، تستدعي إعادة النظر بالرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على البضائع المستوردة، وتخفيضها لكي تكون منافذنا جاذبة وليست طاردة، وقليل دائم خير من كثير منقطع، وعلينا استثمار التقدم الكبير في عمل هيأة المنافذ الحدوديَّة، واعتبار هذه القضية، من اولويات الحكومة، وتبقى أتمتة المنافذ الحدوديَّة التي نفذتها ملاكات الهيأة، تمثل خطوة متقدمة جدا في النهوض بواقع منافذنا كافة.