الحلم الأميركي والفوضى الخلّاقة

آراء 2022/07/04
...

  رحيم عزيز رجب 
 
عبارات ومصطلحات ونظريات يطلقها دهاقنة ساسة ومفكرو مراكز، وأبحاث الدراسات المركزية العالمية الأميركية بين الحين والآخر في كيفية التعامل مع قضايا العالم، ومنها العالم العربي، فهي الأخرى تلحق بمسميات وأفكار ونظريات كالعولمة/ والإرهاب/ وحقوق الإنسان  والأهلة  الشيعية/  والمثلثات السنية/  والأقليات/  والأقاليم.. إلخ من مسميات ترن إلى إسماعنا، والتي تبشرنا بها الولايات المتحدة الأميركية اليوم لأكثر من مرة على لسان مسؤوليها، فتثير استغرابنا تارة وكيفية التخطيط والتدبير ونسج هكذا أساليب مبتكرة، وجدت طريقها إلى الواقع الحياتي لدى معنييها تارة أخرى. 
فالفوضى كما عرفها فلاسفة وعلماء الفيزياء وكما يقول (هدلي بول) "هي فرع من فروع العلم التي تعنى بدراسة ظواهر الاضطراب والاختلال واللا نظام واللا خطة في مختلف المجالات، كالمناخ، وأجهزة الجسم عند الإنسان، وسلوك التجمعات الحيوانية، فضلا عن الاقتصاد والتجارة وحركة الأسواق المالية، والتطور نحو حركة المجتمعات الإنسانية والسياسية"، وقد تعني كلمة (GHOAS) بالانكليزية والفرنسية وهي الفوضى وهي مرادفة لكلمة (البلبلة)، وهي تعني الاضطرابات من كل نوع، وقد تفسر على أنها غياب السلطة في الأساس أو (اللا سلطة)، اي انتفاء السلطة ومؤسساتها وغيابها حتى يتلمسها المواطن البسيط الساذج لمس اليد، ولا يعني إنهاءها، إنما هي نظرية مخطط لها مسبقا يراد تجربتها ونجاحها، فما نجده من أحداث ومجريات قد عصفت في البلاد منذ 2003، انما هي بفعل إرادات أميركية ونظريات يراد تطبيقها على أرض الواقع، وهي أحد أهم المفاتيح التي أنتجتها عقول الساسة الأميركان، فهي لا تعني إزالة الدولة تماما. بل إلى ثنائية أساسها تقوم على (الهدم والبناء)، فنظرية الفوضى الخلاقة والتي أطلقتها الستراتيجية الأميركية لمدة 100 عام، بعد أبحاث وتمحيص وتدقيق ودراسة لسنوات مضت، طقوس وظروف حياة المجتمعات الشرق أوسطية من أجل بسط النفوذ ودرء الخطر عنها، باعتماد أساليب البعثرة الخلاقة والدمار والسراب في البلدان المعادية لها، ومن ثم النظام، إذ إن وراء كل بعثرة ترتيبا. ووراء كل دمار تشييدا وبناءً. ووراء كل سراب تتجلى الحقيقة. 
وما نراه اليوم من سحق وخراب ودمار وتدمير للإنسان والبنى التحتية، إنما هي سيناريوهات قد خطط لها ودبر في دهاليز البيت الأسود، وما الانتكاسات التي يواجهها اليوم عالمنا العربي، انما نتيجة طبيعية لدراسات عدوانية وجدت صداها وأرضاً خصبة تعشعش فيها.. (فريتشارد نيكسون) يؤكد في كتابه (أميركا والفرصة السانحة)، دعوة الولايات المتحدة في الجانب الإنساني لحقوق الإنسان والديمقراطية، وهي ستراتيجية (تبنى على الرمل)، وهي فكرة المنتصر القوي فأميركا اليوم وبنظر البعض أميركا الأمل الأخير للبشرية/ أميركا سفينة النجاة/ ناشرو الحضارة، وهكذا نهجت ونسجت أميركا نظريتها الأحدث في عالم الهيمنة والاحتلال، وهي في طريقها إلى التطبيق التام بعدما أكدت جاهزيتها، وهي أشبه بالصدمة الكهربائية والتي تحيل المرء إلى ركام وبعدها يتم إسعافه. ولكن التاريخ ينبآنا أن الفوضى الخلاقة، التي قد شهدتها أميركا منذ ولدت، وبالتالي عظمتها بذرة من ذلك الانفجار العظيم، فليس لها أن تدعي أن هذه النظرية لا تصلح الا للبلدان المتخلفة. لأن هذه النظرية الفلسفية الأميركية هي رؤية أيديولوجية سياسية. تنظر لعالم أرقى تمدنا ومستقبل أبهى إشراقا. وبحسب هذه النظرية، "كل قديم متخلف وإن كان أميركيا، وكل جديد متحضر ولو كان عربياً".