الصخرة التي أنهت حياة الديناصورات قصة علميَّة مثيرة

بانوراما 2022/07/04
...

 بيكي فيريرا
 ترجمة: شيماء ميران
 
بالبحث عن القصة الأصلية لكوكيب تشيكشولوب، يأمل العلماء أيضا بحل الألغاز حول أصل الحياة ذاتها.
بينما كان فن الكهوف الاول وفجر الزراعة من اللحظات المهمة للبدايات البشرية، فان قصتنا الدراماتيكية الاصلية تبدأ قبل 66 مليون سنة. إذ كانت لحظة اصطدام نيزك قادم من الفضاء الخارجي بالأرض مروعة، لينهي بذلك عصر الديناصورات، ويمنح عالما جديدا لأسلاف 
الثدييات.
لقد درس العلماء على مدى 40 عاماً قصة هذا الحدث الكارثي، والذي يعرف اليوم باسم كوكيب تشيكشولوب Chicxulub. إنه لم يكن مجرد يوم سيئ على الارض، بل أصبح نوعا من حجر رشيد يمكنه فك أكثر الألغاز غموضا، حول أصول الحياة ومستقبل الحضارة الانسانية على كوكبنا وبقية العوالم الاخرى في المجرة.
يقول ديفيد كرينك، عالم جيولوجيا الكواكب ورئيس مركز علوم واستكشاف القمر في هيوستن وعضو في الفريق، الذي اعلن عام 1991 اكتشاف فوهة تشيكشولوب تحت شبه جزيرة يوكاتان المكسيكية: "عدّلت حادثة تشيكشولوب على التقييم الجيولوجي والبيولوجي لكوكب الارض بالكامل. وتعد قصة علمية كبيرة تحظى بجاذبية شعبية كونها انهت عصر الديناصورات بانواعها، وإن صح التعبير، فأنها ستأسر المجتمع العلمي والجمهور لسنين مقبلة، لأنها ستقيّم تطور الثدييات وفي مقدمتهم الانسان". 
تباحث العلماء على مدى عقود حول سبب موت الديناصورات، واقترحوا أنه نتيجة انفجارات بركانيَّة وفرضيات غريبة اخرى، واستقر الإجماع العلمي على أن نيزكا هبط من السماء تسبب بموتهم. اما اليوم، تسود نظرية تشيكشولوب لدرجة ان العلماء وضعوا جدولا زمنيا مفصلا لما حدث حينها، ويكتب باحثون آخرون ما يمكن أن يُسمى تمهيدا لقصة البحث عن أصول الحياة خارج الكوكب، والحدث الذي يعود اليه وجودنا جزئيا.
دور التكنولوجيا المتطورة
ومع توفر المزيد من التقنيات والوسائل المتطورة المتاحة، تمكن العلماء من استخلاص رؤى جديدة ودقيقة عن المحو الملحمي على كوكبنا، وما يعنيه لبدايات الحياة ذاتها.
ياتي الاكتشاف الأخير من دراسة نُشرت العام الماضي في مجلة إيكاروس والتي سعت لمعرفة الموطن الاصلي لكوكيب تشيكشولوب بالاستفادة من قوة المعالجة الكبيرة لكمبيوتر وكالة ناسا العملاق، فضلا عن وضع نموذج لحركة ما يقارب 130 الف كويكب في النطاق الرئيس بين مداري المريخ 
والمشتري.
يقول بيل بوتكي، المؤلف المشارك للدراسة ومدير قسم الدراسات الفضائية في معهد ساوث ويست للأبحاث في بولدر، كولو: "في النهاية، نرغب بالاجابة عن اسئلة مهمة، وعمل من هذا النوع يسمح لنا بالوصول إلى إجابة البعض منها".
تعد دراسة إيكاروس جزءًا من سيل مستمر من الافكار حول التأثير، الذي يمكن أن يكون مبهرا في إبداعهم، وغالبا ما يصل إلى حد الجدل. فمثلا مطلع العام الحالي أعاد فريق من جامعة هارفرد احتمالية أن الكويكب كان مذنبا، ما أثار معارضة العديد من العلماء في هذا المجال. 
وقامت العالمة ليزا راندال من جامعة هارفرد بتصغير اللقطة لتقديم منظر مجري لحادثة تشيكشولوب. وفي كتابها المعنون (دارك ماتر والديناصورات - Dark Matter and the Dinosaurs)، الصادر عام 2015، تقترح أن درب التبانة يضم طبقة من مادة افتراضية غامضة مظلمة، يمكن أن تساعد على إندفاع المذنبات خارج النظام الشمسي متجهة نحو الأرض.
ورغم أن هذا التفسير لم يلقَ اهتماما كافيا، فأنه يوضح كيف يجتذب تشيكشولوب وجهات النظر من عوالم مختلفة كعلم الكونيات والعلوم الحسابية وعلم الأحياء الفلكي وغيرها. 
يوضح د. بوتكي أن الوصول إلى كومبيوتر وكالة ناسا العملاق "بيتاسكال" كان تغيير بقواعد اللعبة لهذا الفريق، ما يُمكن الباحثون من إدارة محاكاة لمجموعة كبيرة من الكوكيبات على مدار ملايين 
السنين.
 
البحث عن أجوبة التساؤلات
ساعدت تقنية البيانات الكبيرة هذه على مطابقة الدليل البيولوجي كون هذا الكوكيب كربونيا وليس مذنبا، مع أصل محتمل في حزام الكويكبات الخارجي، إذ إن المسافة بين كوكبي المريخ والمشتري تضم العديد من الكوكيبات الكاربونية مشابهة لتشيكشولوب، والتي يبلغ عرضها أميالا، لكن هذه الصخور لم تُرفع جاذبيتها في مسارات التصادم مع الكوكيبات مثل تلك الموجودة في المنطقة الداخلية من الحزام أحيانا، إذ توجد هناك اجسام تكوينها أقل تطابقا مع تشيكشولوب. 
يقول بوتكي: "لم نجد حلا واضحا لمنشأ أحد أكبر الكوكيبات، التي تصطدم بالأرض في الفترة الأخيرة. ولم تتحقق الكثير من الاحتمالات التي قمنا بتجربتها مؤخرا، فكان بالفعل مخيبا للآمال ويبدو كما لو أننا فوتنا شيئا ما".
كشف نهج الكومبيوتر العملاق للفريق أن تشيكشولوب هو أشبه بكوكيب هرب من مداره الخارجي بمعدل اكثر من عشر مرات احيانا عن النماذج السابقة المشار اليها. ما يعزز الاحتمال بان الكوكيبات القاتلة للديناصورات قد نشأت هناك.
يوضح شون جوليك، عالم جيوفيزياء الكواكب بجامعة تكساس في أوستن، الذي كان احد قادة بعثة التنقيب العلمية عام 2016 والتي حصلت على نوى صخرية ثمينة من فوهة تشيكشولوب، أن الدراسة كانت اقترابا مهما "في الجدال، اذا صح التعبير، حول منشأ الكوكيب.. أنه مثير للاهتمام لأنه كان حدثا مهما لتطور كوكبنا والبشرية".
كما أشار إلى أن الدراسة ابرزت مخاطر تشكل الكوكيبات عبر الزمن ومنها التي تواجهها حضارتنا المرتبطة بكوكبنا، وعادة ما يذكر تأثير تشيكشولوب ومصير الديناصورات حجة نهائية لكل من الاستثمار في بحوث الدفاع عن الكواكب، ولتوسيع آفاقنا لما هو أبعد من الارض. 
من الجدير بالذكر رغم أن بقية العوالم كالمريخ مثلا، غير مستثناة من تأثيرات الكوكيبات واسع النطاق.
أثار تشيكشولوب بعض الاسئلة حول نشوء الحياة. ولطالما كان د.كرينك مولعا بهذا الموضوع، وساعد في تقديم بحوثا قيّمة حول النظم البيئية الميكروبية التي نشأت في تداعيات حادثة الاصطدام المروع.
عن صحيفة نيويورك تايمزاميركية