كتّاب العراق: هل أثّرت قوة الكلمات فــي المجتمـع؟
ريبورتاج
2022/07/04
+A
-A
عدنان أبوزيد
عندما يبدأ الكاتب المبتدئ أو المتمرس في معالجة القضايا والمشكلات الاجتماعية في أسفاره، فإنه يأمل في أن يحظى بالاكتراث، كي تؤثر كتاباته في المجتمع، عن طريق متابعة المحفل الاجتماعي لما يكتب، والمفاعلة معه، وفي بعض الأحيان تصبح آراء الكاتب حِكماً، وسراجاً لمشاريع اجتماعية وسياسية واقتصادية.
وفي الكثير من الحالات وضعت الكتابات البلسم على الجرح، وعالجت الكثير من العيوب والمشكلات في المجتمع.
وما من كاتب في العالم، يكتب من أجل الكتابة فقط، بل يسعى من وراء ذلك إلى التأثير والتغيير، والسؤال فيما إذا الكاتب والباحث والمحلل للأحداث في العراق، نجح في ذلك، أم إن كتاباته لم تتجاوز كونها "مثيرة للاهتمام"، بين حلقة الأصدقاء والمعارف، فقط.
جراء ذلك، يُطرح السؤال عن فاعلية الكاتب في المجتمع؟ وهل ثمة كتّاب أغنوه بالتجارب المؤثرة، وهل اثّر ذلك في الحياة وطرائق التفكير، وصناعة الأحداث، بل وحتى حرفية الأشياء.
على أنّ الشعوب تنظر إلى أولئك الكتاب والشعراء والأدباء باعتبارهم أدوات تغيير، وأصحاب همّة عظيمة إذا تمكنوا من طبع بصمة على التاريخ.
النخب في حيز خاص
الكاتب والباحث السياسي، محمود الهاشمي يعبر في حديثه لـ(الصباح)، عن أن "من أسوأ حالات الأمة أن يكون هناك فاصل بين مفكري الأمة وشعوبها، لأن النخب تبقى تلوك أفكارها في محيط ضيق، كما حدث في العصر العباسي الثاني وما تلاه، إذ كانت النخب تكتب وتتحاور في حيز خاص فتبقى أفكارها محدودة وليس لها تأثير في صناعة القرار سواء من قبل رعاة الدولة او الشعب نفسه".
يرى الهاشمي أن "ارتفاع منسوب الأمية وتدني المستوى الثقافي يجعل الفاصلة بين النخب والشعب واسعة، وهذا ما يحدث في العراق الآن حيث ارتفع منسوب الأمية إلى (10) ملايين مواطن وهذا الرقم كبير نسبياً، ولا يتيح لأصحاب الفكر، إيصال رسائلهم إلى الشعب".
ويستطرد الهاشمي: "أصحاب الأقلام يواصلون الكتابة وإبداء الرأي، ويتفاعلون مع الأحداث ولكن نحن في مشكلتين، الأولى انشغال الشعب في همومه اليومية عما يورده المبدعون، والثاني عدم اهتمام طبقة السياسيين بهم أيضاً، ولذا فإن صدى التأثير سيكون محدوداً وغير فاعل".
ويعتقد الهاشمي أن "النخب المثقفة قد أرّخت الأحداث وكتبت ما يلزم، فهذا صحيح، وهو من واجباتها، ولكن المشكلة الأكبر في إمكانية الاستفادة والتأثير، إذ نجد أن البلدان المتقدمة تدعم مراكز الفكر والتطوير والمشورة لتكون عوناً لها في إدارة الدولة وخاصة في مواجهة التحديات والأزمات ومخاطر المستقبل، وهذا مفقود في بلادنا".
الصمت واللامبالاة
الكاتب والصحفي زيد الحلي يرى أن "الكُتاب وأصحاب الآراء السديدة في جميع المجالات، لم يقصروا في فتح أبواب وشبابيك معرفتهم الفكرية والاقتصادية والثقافية، لكن أبواب المسؤولين ومن بيدهم أمر البلاد، كانت موصدة، لجهالة أو بالقصد".
ويتحدث الحلي بصراحة عن أنه "شخصياً، أجد في ما أتناوله في كتاباتي صدى إيجابياً عند القراء، غير أني أجد الصمت واللامبالاة عند المسؤولين، فتولدت عندي قناعة بأن الوقر أصاب آذان من تسيدوا دفة الأمور، وأن العمى أصبح ميزتهم، ومعروف أن الأعمى لو لمس جوهرة لا يستطيع أن يثمنها، فكيف وهو لم يقرأ بحثاً او دراسة تهم الوطن.
النخبة الخائنة
يتحدث الباحث ورئيس حركة وعي صلاح العرباوي لـ (الصباح) عن أن "ما يكتبه فيه مواكبة للأحداث العراقية أولا بأول وفيه أيضاً استشراف للمستقبل وما تؤول اليه الأمور وهذا يسهم بنشر الوعي على نحوٍ معين"، مشيراً إلى "مشكلة حقيقية في النخبة فالكثير منها خائنة على حد وصف الكاتب الفرنسي جوليان بندا، فهي تخون لأغراض مادية أو أيديولوجية او غيرها، ومع ذلك فالقلة المتحررة تستفيد وتفيد مما نكتبه ونحن بدورنا نتفاعل مع ما يكتبون".
يعتبر العرباوي أن "مواطن 2022 ليس كمواطن 2003، فالأول فهم اللعبة والثاني كان غافلاً عنها، وكتاباتنا وخطاباتنا تستمر في كشف وفضح قواعد اللعبة السياسية حتى لا يكون المواطن ضحية الأيديولوجيا والشعارات الفارغة مرة أخرى".
يقول العرباوي إن "كتاباتنا وخطاباتنا أسهمت في زيادة مساحة التنوير وتقليل مساحة التصحر الفكري وإن كان ذلك بنسب ضئيلة وذلك لأن التشويش والتضليل يُبث بنسب مرتفعة وعالية أيضاً"، مشيراً إلى "أننا في كثير من الأحيان لا نكتفي بطرح المشكلة إنما نطرح معها حلها".
تجربة ناجحة
يتحدث الكاتب والباحث محمد فخري المولى عن تجارب إيجابية لدور الكتابة في المجتمع، فيقول لـ (الصباح)، إن "الفضاء الالكتروني والواقعي للكتابة صار فاعلاً جداً عبر الصحف والمواقع الورقية ومنصات التواصل".
ويستطرد المولى: "كل ما تقدم يعطينا مؤشرات أن هناك متابعة وحرصاً وأن كلماتنا تؤتي ثمارها وهو عمق الرسالة الوسطية التي نتبعها"، مشيراً إلى أن "أصحاب المتابعات غير الطبيعية ذات الأرقام العالية قد اختاروا القسوة والشدة والتعصب من أجل كسب المتابعين"، معتبراً أن "الخطاب يجب أن يكتسب المعيار المهني الإداري كي يؤثر إيجابياً في المجتمع".
ماذا يتابع العراقيون؟
يتحدث الكاتب والمحلل السياسي قاسم الغراوي لـ (الصباح)، عن أن "الواقع الجديد ترك آثاره على كثير من مناحي حياتنا اليومية، وباتت الوسائل الحديثة تهدد عادات كانت راسخة في حياة كثيرين، مثل قراءة الكتب والجرائد الورقية التي تعطي المساحة الأكبر للعقل والطرح المبني على المقارنات والبناء العقلي".
يقسّم الغراوي، الجمهور إلى قسمين، الأول: هو الشباب المشغول بحياته الخاصة وما يهدد بقاءها وديمومتها ما يعني أنه يبحث عن كل ما له تأثير في طريقة معيشته وكسبه ونادراً ما يعتني بالمقال أو الخطابة أو التحليل خارج هذا المفهوم".
ويضيف الغراوي: القسم الثاني هم المتابعون للشأن السياسي ومشكلات البلد وهؤلاء يتفاعلون مع الحدث ويتابعون والغالبية تتأثر بالمقال والتحليل وتتغير مواقفها، باستثناء البعض الذين يمتلكون موقفاً ثابتاً مهما كانت الحقائق المذكورة في المقال أو منطقية التحليل للأحداث في الإعلام، أما قادة البلد والمفكرون في المواقع المتقدمة للدولة فمنهم من يتابع ويأخذ ببعض الآراء والتحليلات وينتبه لما يكتب من مقالات، وقد التقينا بقادة من الصف الأول يسمعون منا ونتداخل معهم في حلقة نقاش للوصول إلى قناعات منطقية".
يلاحظ الغراوي أن "القُراء والمتابعين للمقال والتحليل يستهويهم النقد اللاذع للسياسة في العراق أولا والكتابة عن المشكلات والتحديات التي يواجهها المواطن وعدم استقرار وضعه الحياتي، وهذه نسبة كبيرة لكنها لا تبالي بغير حدث مهم ما لم يمس حياتها".
التعصب الفكري
الأديبة والباحثة سلامة الصالحي تقول لـ (الصباح): إن "الشعوب على مدى التاريخ، تتجاوز النكسات من خلال الكتّاب والمفكرين والجراحين الثقافيين الذين يفقؤون كتلة القيح ويحاولون شفاء شعوبهم"، مشيرة إلى أن "أوروبا مرت بعصر انحطاط وتخلف وعنف تجاوزته من خلال مفكريها وفلاسفتها الذين تصدوا للانهيار بطرق مباشرة وغير مباشرة وكانوا كالقناديل المضيئة التي أنارت الطريق أمام الحكام والشعوب وقادت ثورات التنوير والإصلاح، وحتى بعد الهزائم العسكرية وسقوط المدن، كانت جملة قالها سارتر الفرنسي كفيلة بتحرير باريس من قبضة النازية".
تعتبر الصالحي أن "الأمر في العراق يبدو معقداً جداً فهناك قوى لها خطابها الدوغمائي المتعصب وهناك السلطة العشائرية، إذ يتولد عن ذلك قوى تسعى إلى هزيمة القانون ومشاريع تطوير المجتمع".
المهنة الأصعب
يبقى القول إن كل المهن تهدف إلى غاية وإنتاج، وفي حالة الكتابة فإن ذلك يكون مصحوباً بالرغبة الغامضة والوعي والارهاق الفكري، وهي مهمة شاقة جداً يشعر بها الكاتب المحترف الذي يريد أن يوصل الأفكار بطريقة يرغب الناس في قراءتها والسير على هديها، وإن ذلك ليس بالأمر اليسير أبداً.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة