الحروب الكلاميَّة في الحرب الروسيَّة - الأوكرانيَّة

آراء 2022/07/05
...

 منى زعرور *
 
أصبح من اللافت إنزلاق الحروب الكلامية في الحرب الروسية- الأوكرانية إلى مواجهات من النوع الساخر، بعد توالي استخدام الجسد والجنسانية في إطار التندر على قادة هذه الدول، فمن تعليق الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، على صورة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو يعانق نظيره الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، بكتابتها” الآن فهمت لماذا لدى بوتين طاولة طويلة”، في تعليق يستبطن الوصف بالمثلية الجنسية، إلى تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن ليطلق الحرب على أوكرانيا “لو كان إمرأة”، والسخرية من تعريته لجسده ووسمه بالنموذج “للذكورة السامة”، يتبين أن الحروب الكلامية الدائرة تتوخى الحذر أكثر منها التصعيد، مع أن اشتعال دائرة الحرب على الأرض أخذ في الازدياد والتعقيد.
هذا المشهد العالمي المتناقض، يُحيلنا إلى تناقض مناقض، ففي ذروة الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، في ظل أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 ، اتخذ الرئيس الأميركي جون كينيدي قرار قبوله لخطاب الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف المعتدل، وتجاهله لخطابه المتشدد لتسوية الأزمة، بعد أن تثبت لديه أن شخصية خروشوف اندفاعية وأنه لا يتورع عن المجازفة. والبرغم من تصاعد وتيرة الحروب الكلامية حينها لم تحدث الحرب، حتى أن خطب خروتشوف المرسلة إلى كينيدي حرص فيها على عدم تدوين التاريخ، ما تلقفه كينيدي سريعاً، وقام بالرد على الخطاب المعتدل ليفسح بذلك الطريق لخروتشوف للتراجع بدون فقد ماء وجهه، ومنع قيام 
الحرب.
قالت العرب سابقاً “إن الحرب أوّلها كلام”، لكن ليس كل حرب كلامية قد تفضي إلى حرب عسكرية، ولا تعني شدة الحرب الكلامية أو رخاوتها حجم الموقف الحقيقي على الأرض وتبعاته، لكن المؤكد أنه في ظِل أي صراع، تُستخدم السجالات الكلامية لإفراغ الاحتقان تارة وللتصعيد في سبيل التفاوض في أخرى، ولإعلان الحرب بشكل مباشر عند اتخاذ القرار. وكثيراً ما يُصار إلى استخدام كلمات بعينها، أو صياغة مصطلحات تنشأ باندلاع الصراع وتستمر معه، لتحدد مراحله، أو أشكاله، أو خطورته، وغالباً ما تتضمن تحديداً وتنميطاً لصورة العدو، والغرض من الحرب الذي تسوق له الجهات الفاعلة على أنه غاية، لا بد منها أو دفاع شريف مقدس في وجه الشر الأكبر ورموزه. وقد يتم اختيار الحرب الكلامية وفق ستراتيجيات هجومية أو ستراتيجيات دفاعية، لكن في كلا النهجين تكون خطة المواجهة مُحكمة وممنهجة ومرسومة بدقة، قبل أي إدلاء بتصريح أو إصدار لبيان، لذا فإن انزلاق المواجهة الكلامية في هذه الحرب الدائرة إلى هذا الحد من الخطاب، يصبح فارقاً عما هو متعارف في هذه النمط من المواجهات، وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل بوضوح إلى رسم مشهدية العالم الحالي الغارق في الفوضى وانهيار المنظومات، ومنها القيّمية، والتي دافع الغرب عنها مطولاً في السابق، ليتبين لنا من جديد أن المرأة ما زالت توصم بالضعف، وأنَّ أيَّ اقتراب بين رجلين قد يُصبح مادة للتندر، ويدخل ضمن الحرب الكلامية في دول الحداثة وما بعدها. 
* كاتبة لبنانية