هل هناك تحالفٌ جديدٌ في الشرق الأوسط؟

منصة 2022/07/05
...

 كونور إيكولس
 ترجمة: أنيس الصفار
فاجأ وزير الدفاع الاسرائيلي «بيني غانتز» المراقبين في الأسبوع الماضي عندما أعلن أن اسرائيل وعدداً من الدول العربيَّة قد انضمت معاً لتشكيل تحالف للدفاع الجوي تقوده الولايات المتحدة بهدف مواجهة إيران.
إذا ما أخذنا غانتز على محمل الجد فإن «تحالف الدفاع الجوي الشرق أوسطي» هذا لن يكون بالشيء الجديد. بل أن هذا التحالف، كما يقول غانتز، قد أفشل في الواقع عدة هجمات إيرانيَّة لعل تاريخها يعود الى السنة الماضية.
 
ربما كان هذا الإعلان خبراً له وقعه على مسامع الكونغرس أيضاً، فقبل أسبوعين فقط من تصريحات غانتز كان أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ قد قدموا مشروع قانون يدعو الى شيءٍ يبدو مشابهاً كثيراً لهذا التحالف الشرق أوسطي. تقول مصادر في «كابيتول هل» إنَّ التنسيق بشأن الدفاع الجوي في المنطقة لا يزال رخو الترابط حالياً، وهذا يوحي بوجود انقطاع بين واشنطن وتل أبيب حول ما يجري فعلياً على الأرض.
 
اجتماع عسكري على أعلى المستويات
وسط هذا التشوش ثمة أمرٌ واضحٌ لا ريب فيه وهو أنَّ تحالف «الدفاع الجوي الشرق أوسطي» هذا، إذا كان موجوداً بالفعل، فإنَّ أياً من أعضائه الآخرين لم يبد من الحماس للإعلان عنه ما أبدته إسرائيل. المصادر الأميركية لم تؤكد قيام التحالف المذكور كما لم تظهر الى العلن أسماء الدول العربيَّة المشاركة فيه (يفترض كثيرون أنه ربما كان يشمل المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والإمارات العربيّة والبحرين والأردن، وأنّ كل ذلك قد تمَّ من خلال اجتماع عسكري على أعلى المستويات مع الولايات المتحدة وإسرائيل في شهر آذار الماضي).
يقول «كرستيان كوتس أولركسن»، الزميل في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، إنَّ إعلان غانتز ربما كان من قبيل «ستراتيجية إدارة المعلومات» استباقاً منه لزيارة الرئيس «جو بايدن» الى الشرق الأوسط في الشهر المقبل.
يمضي أولركســــــن مستطرداً: «من الممكن أيضاً أنْ يكون الأمر محاولة من جانب الإسرائيليين لافتعـــــال أخبارٍ وقصصٍ تدور حول فكرة قيام تعاون إقليمـــــــي مع دول الخليج العربية، مثل الإمارات العربيَّة وربما حتى المملكة السعودية، نظراً للشعور المشترك بينهم بالتهديد الآتي من إيران».
في حديثٍ مع مجلتنا قال المتحدث باسم البنتاغون الرائد «روب لودويغ» إنَّ وزارة الدفاع «على إلمامٍ تامٍّ» بتصريحات غانتز، بيد أنَّه امتنع عن إبداء رأيه المباشر حول الموضوع. قال لودويغ في رسالة بالبريد الالكتروني: «التزام وزارة الدفاع الأميركية بزيادة التعاون الإقليمي ضد التهديدات المشتركة المنطلقة من إيران ليس شيئاً جديداً». وأضاف أنَّ تشكيل شبكة للتعاون الأمني سيبقى على رأس الأولويات.
في رسالة بالبريد الالكتروني أيضاً قال النائب «دون بيكون»، وهو أحد رعاة مشروع القانون الذي طرح في مجلس النواب، إنَّ بناء هيكليَّة دفاع جوي متكاملة لحماية المدنيين والبنى التحتيَّة أمرٌ كان ينبغي أنْ يحدثَ منذ زمنٍ في ضوء الهجمات الإيرانيَّة. وأضاف، دون الإقرار مباشرة بادعاءات غانتز: «كلي ثقة بأنَّ مشروع القانون هذا سوف يكفل حماية المصالح الأمنية للولايات المتحدة كما سيحفظ السلام في الشرق الأوسط».
حاولت مجلتنا الاتصال أيضاً بالبيت الأبيض ووزارة الدفاع الإسرائيلية وستة عشر عضواً آخرين في الكونغرس، من بينهم الرعاة التسعة الآخرون لمشروع القانون، لكنَّ أياً منهم لم يرد على أسئلتنا حول حقيقة قيام تحالف شرق أوسطي للدفاع الجوي أو أهدافه العملياتيَّة المفترضة.
 
«ناتو شرق أوسطي» والمآخذ عليه
إذا ما ثبت أنَّ «تحالف الدفاع الجوي الشرق أوسطي» حقيقة واقعة بالفعل فإنَّه لن يكون سوى الأحدث في سلسلة طويلة من المحاولات التي قادتها الولايات المتحدة لبناء تحالف عسكري رسمي في منطقة الشرق الأوسط. جاءت أحدث هذه المحاولات في العام 2017 عندما أطلق الرئيس الأميركي آنذاك «دونالد ترامب» ما أسماه «التحالف الستراتيجي في الشرق الأوسط» الذي كان يهدف الى جمع دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والولايات المتحدة معاً تحت مظلة أمنيَّة واحدة.
في النهاية اصطدم التحالف المذكور بمجموعة العقبات نفسها التي ربما سيواجهها أي تحالفٍ جديدٍ للدفاع الجوي مستقبلاً. تمثل أبرز هذه العقبات في أنَّ المشاركين المرتقبين لديهم اهتمامات أمنيَّة مختلفة عن بعضها قد تصل حد التعارض في بعض الأحيان. يقول «جورجيو كافييرو» من مؤسسة «تحليلات دول الخليج»: «لهذه الدول تصورات مختلفة عن بعضها بشأن التهديد الإيراني». مضيفاً أنَّ حتى الدول الراغبة لن تتمكن من دمج منصاتها العسكريَّة والتكنولوجيَّة مع بعضها بسهولة.
كذلك أنَّ مشاركة إسرائيل، كما يشير كافييرو، تضيف مزيداً من التعقيدات؛ لأنَّ كثيراً من الدول العربية لا ترغب في العمل علناً مع إسرائيل. ثمة أعضاء بارزون في مجلس التعاون الخليجي، مثل عمان والكويت، لم يقيموا علاقات رسميَّة مع تل أبيب مطلقاً، في حين أقرَّ العراق مؤخراً قانوناً قد يقضي بالسجن مدى الحياة على من يروج للتطبيع مع إسرائيل.
يشعر البعض بالقلق حيال كيفيَّة تلقي طهران لأنباء هذا التحالف، لا سيما أنَّ العراق ماضٍ في محاولاته لتحريك الحوار المباشر مجدداً بين إيران والسعودية. قطر هي الأخرى تبدي حرصاً على إبقاء الأجواء وديَّة في المنطقة في خضم استعداداتها لاستضافة دبلوماسيين من الولايات المتحدة وإيران للمحادثات النوويَّة.
تقول «باربارا سلافين» من مؤسسة «المجلس الأطلسي»: «أعتقد أنَّ مكمن القلق هو الطريقة التي يطرح بها الأمر وكأنه معدٌّ خصيصاً للتعامل مع إيران والمواجهة معها». تعتقد سلافين أنَّ تأطير الأمر على هذا النحو الاستفزازي ليس من الحكمة. ثم تعود مستدركة فتقول: «بيد أنَّها الحقيقة على أية حال لأنَّ هذا هو ما يجمع تلك الدول معاً. القضية ليست حباً لفلسطين .. بل هي الخوف من إيران».
هل عادت أميركا؟
حتى لو كان «تحالف الدفاع الجوي الشرق أوسطي» منطوياً على بعض المبالغة فإنَّ هناك عديدين في واشنطن يؤيدون زيادة التعاون الأمني في الشرق الأوسط، وأبرز دليلٍ على هذا التوجه هو مشروع قانون الدفاع الذي سبقت الإشارة إليه.
يقول مؤيدو مشروع القانون إنهم بصدد إدراجه ضمن ميزانية الدفاع للعام 2023 التي تأخذ الآن طريقها بين أيدي اللجان في مجلسي النواب والشيوخ. فإذا ما نجحوا في هذا المسعى قد لا يواجه المقترح تدقيقاً مشدداً في المراحل اللاحقة، لا ننسى أنَّ مشروع قانون الإنفاق الدفاعي للعام الماضي بلغ أكثر من 900 صفحة وهذا يترك ثغرات كافية لتمرير بعض الأشياء من خلاله. ولكنْ نظراً لتأثيرات مشروع القانون المحتملة في السياسة الأميركية فإنَّ الأمر جديرٌ بأنْ يعطى نظرة عن كثب.
يقول مؤيدو الاقتراح إنَّ تحالف الدفاع الجوي مفتاحٌ أساسيٌّ لردع العدوان الإيراني وهو يستند الى «اتفاقات ابراهيم» التي حققت تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعددٍ من الدول العربية. أما المنتقدون فهم قلقون من أنْ يرغمَ ذلك الولايات المتحدة على إبقاء تواجدٍ عسكريٍ كبيرٍ لها في المنطقة، وهذا يرفع من مخاطر انجرار واشنطن الى نزاعاتها. ثم أنَّ الخطة تدعو الى الدفاع تصدياً لإيران وكذلك لشركائها في المنطقة، وهؤلاء منتشرون من لبنان واليمن الى سوريا والعراق.
يثير مشروع القانون أيضاً تساؤلات في الجبهة الداخلية. فالمملكة السعودية سوف تكون عضواً أساسياً في أي تحالفٍ دفاعيٍ في المنطقة، بيد أنَّ صورة المملكة القوية تلقت ضربات قويَّة في السنوات الأخيرة بين أعضاء الكونغرس والناشطين في الولايات المتحدة. وعندما سرتْ شائعات في الأسابيع الأخيرة بأنَّ بايدن يخطط لعرض «ضمانات أمنيَّة» على الرياض وصف البعض الأمر بأنَّه «إذعان مهين».
 
منع سياسة حافة الهاوية النوويَّة
رغم الخيارات السيئة يبدو أنَّ بايدن عازمٌ على التصدي للاتهامات القائلة إنَّ الولايات  المتحدة بصدد الانسحاب من المنطقة. ففي ظل ارتفاع أسعار النفط وتضاؤل الآمال بإحياء الاتفاق النووي مع إيران قد يحاول البيت الأبيض إعادة طمأنة شركائه وهم يعدون أنفسهم لعالم ما بعد خطة العمل الشاملة المشتركة، وهو عالمٌ أضعف أمناً، على حد تعبير كوتس أولركسن.
بيد أنَّ الطريق الوحيد الصالح للاستمرار والدوام للأمن في المنطقة من وجهة نظر مراقبين عديدين يتمثل بالعودة الى خطة العمل الشاملة المشتركة ثم اتباعها بمزيدٍ من الجولات الدبلوماسية في المنطقة.
يقول كافييرو: «برأيي إنَّ خطة العمل هي السبيل الواقعي الوحيد لمنع سياسة حافة الهاوية النووية من الانفلات والخروج عن السيطرة». ثم يضيف أنَّ أي تحالفات دفاعية على غرار»تحالف الدفاع الجوي الشرق أوسطي» لن يكون كافياً أبداً لضمان أمن هذه الدول إزاء الخيارات البديلة التي تمتلكها إيران.
يمضي كافييرو مستطرداً: «عبر الدبلوماسية مع طهران فقط سوف تتمكن دول المنطقة من التوصل الى طرقٍ لخفض سخونة الأجواء وتقليل الاحتكاك مع الجمهورية الإسلامية والعثور على سبلٍ ما لجعل علاقاتها مع إيران أكثر استقراراً. وأنا أعتقد أنَّ على الولايات المتحدة أنْ تشجع اللاعبين الإقليميين على انتهاج هذا السبيل».
 
مجلة «رسبونسبل ستيتكرافت» 
الصادرة عن معهد كوينزي 
لإدارة الدولة المسؤولة