هل أصبحنا عبيدًا للإنترنت؟

آراء 2022/07/06
...

 عدوية الهلالي 
 
خلال عقدين من الزمن، أصبح الإنترنت عقارًا جديدًا وأداة للسيطرة استغلها عمالقة الاقتصاد الجدد. ونحن لن نثني على عالم ما قبل الإنترنت، فكلنا نعرف أن هذه الأداة التكنولوجية قد غيرت كل شيء، وغالبًا إلى الأفضل. فما زلنا نتذكر، من بين آلاف الصعوبات الأخرى، العوائق التي يجب التغلب عليها للوصول إلى المعلومات الأساسية، فضلا عن الوقت الطويل الذي تستغرقه الرسالة للوصول إلى مستلم من دولة أخرى. لقد قام الإنترنت بتغيير حياتنا بشكل جذري، فهو يسمح لنا، بالعمل والتواصل والترفيه عن أنفسنا بنقرة واحدة على زر. كما أنه يجعل المعرفة في متناول الجميع وفي جميع الأوقات. فما الذي يمكن للمرء أن يتمناه أكثر من ذلك؟
ولكن، اليوم، وبعد رحلة استمرت أكثر من عقدين مع الإنترنت، يمكن أن نطرح سؤالا أساسيا على أنفسنا: هل يعمل الانترنت على تحريرنا أم استعبادنا؟ وهل تحولت أداة التحرير هذه إلى أداة للهيمنة؟
يعتمد نصف سكان العالم اليوم على الانترنت لدرجة قد تصل إلى الإدمان، ويبدو أن الشركات التي تمتلك هذه المنتجات تقوم بوضع ستراتيجيات معقدة تستغل العيوب في النفس البشرية (النرجسية ، والسعي إلى التحقق من الصحة ، وما إلى ذلك) وتجعلها، نتيجة لذلك وسيلة للأدمان. إنهم يخلقون ما يسميه علماء النفس “الإدمان السلوكي”، اذ لم يعد “المدمن” قادرًا على الاستغناء عن الإنترنت وما يرتبط به، فقد أصبح سبب وجوده، ولم يعد قادرًا على التحكم في نفسه. ويمكن أن تكون الآثار كارثية: العزلة والاكتئاب أو حتى الخراب المالي لأولئك الذين يدمنون الألعاب عبر الإنترنت.
تجعلنا الشبكات الاجتماعية نعرض صورا تمجدنا لكنها تخفي اليأس والوحدة. ولكن هناك ما هو أسوأ. فهذا العقار بالتأكيد لا يقتل أحداً، على الأقل بشكل مباشر، لكن هذا التلاعب بالعقول يجب أن يوضع في إطار اقتصاد عالمي قائم على تلبية الرغبات، عبر هذا الاستعمار للمخيلة والأجساد، لأن الشخص الذي يقضي معظم وقته في عالم افتراضي يتخلى عن خياله، وهو الأكثر حميمية وعمقًا. ويعطي الاجهزة الباردة مفاتيح روحه. فلو تصفحنا الشبكات الاجتماعية لبضع ساعات سندرك أنهم يقودوننا إلى “الجنون”. فهنالك من يغير صورة ملفه الشخصي كل يوم أو الذين يشعرون بالحاجة إلى التعليق على الأخبار كل عشر دقائق، أو أولئك الذين يستخدمونه لتخفيف التوتر، بينما يفقد المرء نفسه تدريجيا ويصبح عبدا
 للانترنت. 
يمكننا أن نسأل أنفسنا اخيرا ما إذا كنا، أحرارًا في خياراتنا. فمن الذي يقرر علاقتنا بالعالم وكيف سننجح في ترويضها ؟ فمن الواضح أن استعمار الخيال والأجساد هو جزء من المشروع الاقتصادي العالمي. و ما هو أكثر خطورة منه هو الرقابة الامنية فلم يعد التجسس على الأجساد كافياً، بل أصبح من الضروري أيضاً التجسس على الأرواح، والتغلغل في حميمية الوجود، لسرقة أحلام 
المرء.
لا ينبغي أن نصدق أن هذه الواقع المرير هو الحقيقة الوحيدة حاليا، فنحن مذنبون بجريمة لا نعرف شيئًا عنها، وعلى الرغم من أن الإنترنت يعد تطورًا إيجابيًا بشكل عام، لكن هذه الأداة الرائعة هي الآن وسيلة لتأسيس أشكال جديدة من الهيمنة الخفية، ومن المفارقات المأساوية أننا غالبًا ما نكون ضحايا لهذه العبودية الجديدة.