كيف تعاملت بولندا مـع اللاجئين؟

بانوراما 2022/07/07
...

  مارك رايس
  ترجمة: خالد قاسم
 
يبرز في شمال العاصمة البولندية وارشو مركز إيواء لاجئين ضخم، وعند التجول داخله نجد طاولة تحمل مزيجا من السلع المجانية: غذاء أطفال وملابس وقهوة وشرائح الهاتف النقال. 
يطرح المتطوعون الأسئلة عند المنضدة الأولى ببداية القاعة، ويجيبون على النحو التالي: النقل العمومي مجاني بالتأكيد ويحق لكل شخص الحصول على راتب إعانة قدره 68 دولارا تقريبا، ويستطيع اللاجئ التسجيل على رقم الضمان الإجتماعي في الملعب الوطني. 
أما الجدران فتعلّق عليها رموز الاستجابة السريعة وتوفر معلومات عن السفر باتجاه غرب أوروبا.
يبدو أن البولنديين فكروا بكل شيء، ونجحوا خلال أسابيع قليلة بتقديم استجابة مذهلة لأزمة لاجئين تسببت بوصول ملايين الأوكرانيين إلى البلاد، وبلغت نسبة اللاجئين 10 بالمئة من سكان بولندا.
يرى ياروسلاف أوبرمسكي، حاكم مقاطعة سيليزيا السفلى البولندية التي استقبلت نحو 250 ألف أوكراني، “قد تكون معجزة، لأن ألمانيا استقبلت مليون لاجئ عام 2015 خلال سنة واحدة، وحققت نجاحا كبيرا بذلك. علينا استقبال مليوني لاجئ خلال أسابيع قليلة، وهذا اختلاف كبير”.
حشدت الأزمة بولندا بأكملها، بدءا من عمال السكك الحديدية، الذين نظموا عملية توزيع هائلة للوافدين الجدد بكل أنحاء البلاد، الى عشرات آلاف المتطوعين ممن تركوا كل شيء وذهبوا لتقديم المساعدة عند محطات القطار والحدود ومراكز اللاجئين. 
ويوجد طعام مجاني في كل مكان داخل المدن، بدءا من شاحنات البرغر عند الملعب الوطني إلى خيام الطعام خارج المحطات، ورحّبت المدارس بالتلاميذ الجدد وفتح عشرات آلاف المستضيفين منازلهم أمام الوافدين، الذين يستطيعون البقاء 18 شهرا على الأقل ويمتلك جميعهم 
حق العمل.
تجربة متكررة
بالمقابل، يبقى الانتقاد لرفض بولندا السماح للاجئين غير الأوكرانيين دخول أراضيها، لكن قلة ستننكر أن جهود الأشهر القليلة الماضية كانت ملحوظة. إلّا أن استمرار الأزمة مع مرور الأسابيع والأشهر أثقل كاهل المدن وبدأ المتطوعون الضروريون جدا بالعزوف عن المساعدة والعودة الى وظائفهم أو دراستهم. ومع انكماش الموارد وعدم ظهور بوادر لنهاية الحرب في الأفق وعبور آلاف الأوكرانيين الحدود يوميا، يبقى سؤال كبير بحاجة لإجابة: كم سيدوم الترحيب بهم؟
توجد أسباب عديدة  تجعل هذه الأزمة أكبر انتصار بولندي منذ نهاية الحكم الشيوعي عام 1989، أولها مرور البلاد بتجربة مشابهة في حرب 2014 عندما هاجرت موجة أولى مكونة من مليون أوكراني غربا، ويذكر أوبرمسكي عن تلك التجربة: “لم تحدث مشكلة لأنهم عملوا وأجّروا شققا ودفعوا الضرائب، وعاملناهم باحترام كبير لأنهم عملوا بجد”.
لذلك كان المسؤولون على إطلاع بأمور كثيرة مع الحرب الأخيرة، منها قدوم أعداد كبيرة من الناس ويمكن اندماجهم في المجتمع إذا تلقوا المساعدة. والأكثر أهمية ضرورة توزيعهم بينمختلف مناطق البلاد، لتجنب عبء مخيمات الحدود الكبيرة. لكن عدد الأوكرانيين في وارشو وكراكوف وفروكلاف أكبر من المناطق الشرقية مثل لوبلين وبرزيمايسل.
أما الستراتيجية الثانية الضرورية فكانت ايجاد منازل للجميع، ونال الأوكرانيون ضمان وجود سقف فوق رؤوسهم لمدة شهرين على الأقل، ومن المهم جدا أن غالبيتهم العظمى قد سكنت شققا خاصة، إما عبر تقاسمها مع أوكرانيين آخرين أو مع العائلة المضيفة.
العامل الثالث هو ردة فعل الرأي العام، إذ ذهب السائقون الى المنافذ الحدودية لنقل الأشخاص حيث يرغبون، وجهزت مراكز اللاجئين بموظفين مكتبيين نالوا إجازة لمدة أسبوع، وعرضت مئات المدارس أماكن للأطفال الأوكرانيين، بل أن بعضها قدّم دروسا باللغة الأوكرانية لمساعدة الصغار على الاستقرار.
اتسعت مجموعة المتطوعين في محطة وارشو المركزية الى 350 شخصا، بضمنهم طلبة ومحترفو تسويق وتكنولوجيا المعلومات، وحتى اختصاصيو علم النفس. ويقول الخبير التكنولوجي ياكوب نيميك، المسؤول عن السكن والنقل: “أعمل بعدة وظائف، وكانت خطتي السفر الى المكسيك، لكن الحرب بدأت قبيل مغادرتي، وقررت إلغاء تذكرتي والبقاء هنا لتقديم المساعدة”.
 
عقبات محتملة
لكن المتطوعين لاحظوا تغيرا فقد بدأت عروض السكن الخاص بالنضوب، لذلك يجب توجيه مزيد من اللاجئين الى مراكز الإيواء الضخمة حيث يصعب الشعور بالاستقرار. أما المدن الكبرى فصارت مكتظة، وتزايد عدد سكان وارشو وفروكلاف بنسبة 15 بالمئة، وتحث السلطات الوافدين الجدد على إيجاد مأوى في بلدات أصغر بهدف تخفيف الضغوطات.
يزداد الشك بشأن مدة بقاء الأوكرانيين مع مضيفيهم البولنديين، ومتى يجب عليهم الدفاع عن أنفسهم. وتحتاج معالجة  أزمة اللاجئين إنفاق بولندا 3 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي هذا العام، كما يقول ليام بيتش الخبير الإقليمي بشركة الاستشارات كابيتال إيكونومكس.
يمثل التعليم مشكلة أخرى، إذ استقبلت البلاد نحو مليون طفل ويعني ذلك الحاجة لبناء 80 روضة ودار حضانة فورا، وضرورة توفير منهاج دراسي أوكراني، لأن الأطفال بدون لغة بولندية لن يمتلكوا فرصة في النظام البولندي.
الأمر نفسه بالنسبة للرعاية الصحية، فأعداد المرضى قد تزداد بنسبة 10 بالمئة أو أكثر هذا العام، وخصوصا عند النظر للمشاكل النفسية التي أصابت الكثيرين من اللاجئين، وبالتالي سيتعرض النظام الصحي البولندي لاختبار قاس.
اذا أبعدنا السيولة النقدية والسكن والبنى التحتية جانبا، فهناك مسألة أكثر دقة وهي هل سيستسلم البولنديون للإرهاق النفسي اذا طالت الحرب وتفاقمت مشكلات السكن، واكتظت المدارس والمستشفيات؟ وتوافدت ملايين أخرى من اللاجئين؟
صحيفة الغارديان البريطانية