تقنيات الري الحديثة ودورها في مواجهة أزمة المياه والتغيير المناخي

ريبورتاج 2022/07/19
...

 بدور العامري 
بصوت متعب مليء بالحسرات على ما آلت اليه الحال، تحدث المزارع فيصل الربيعي من أهالي ديالى عن معاناته مع سقي ارضه التي بدت شبه يابسة، بعد أن هجرتها المياه، بسبب جفاف الجدول، الذي كان يغذي مزارع المنطقة خلال السنوات الماضية، المواطن فيصل طالب الجهات المسؤولة بتقديم الحلول البديلة وتوفير طرق ري مختلفة وحديثة، كفيلة بإنقاذ الواقع الزراعي في البلد كما هو معمول في دول الجوار.
 
بدايات
تعدُّ مشكلة شح المياه بسبب التغيرات المناخية هي أحد أهم المشكلات التي تعاني منها دول العالم والعراق بشكل خاص، حيث عملت الظروف السياسية والاقتصادية الاستثنائية التي مربها البلد على تفاقم هذه الازمة، بدءاً من تحكم دول المنبع في مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما وليس انتهاءً بتدهور البنى التحتية الخاصة بالقطاع الزراعي، الامر الذي يستدعي العمل على إيجاد معالجات سريعة للتخفيف من حدة شح المياه عن طريق ترشيد استخدام المياه والمتمثل باتباع أساليب الري الحديثة بالزراعة.
وتشير المعلومات والتقارير الزراعية إلى أن أول محاولة لإدخال التقنيات الحديثة للري الى البلد كانت في سبعينيات القرن الماضي، حيث استورد العراق عددا محدودا من منظومات الري بالتنقيط لري أشجار الواحات الصحراوية في محافظة الانبار من مياه الآبار.
 
هجرة عكسيَّة
من الأمور التي أثرت في نفسية المواطن فيصل الربيعي هي  هجرة جيرانه وأصدقائه لأراضيهم والبحث عن مصدر عيشهم في مركز المدينة واحدا تلو الاخر بعد أن ضاقت بهم السبل، نتيجة لهلاك مزروعاتهم خلال الموسمين الماضيين بسبب شح المياه، ولخصت دراسة قامت بها المنظمة الدولية للهجرة مؤخرا الى أن "العراق يحتاج إلى استثمارات كبيرة للحفاظ على المياه وديمومتها، كما يجب على المعنين في القطاع الزراعي إعادة النظر بأساليب الري واستبدالها بالأنظمة الحديثة، وبحسب تلك الدراسة "أن تفاقم مشكلة ندرة المياه ونوعيتها أدى الى عدم قدرة هذا القطاع على توفير سبل العيش الكافية والمستدامة خاصة في ما يتعلق بالمناطق الريفية، ما نتج عنه تزايد هجرة الافراد من الريف الى المدينة، بعد ان كان القطاع الزراعي لفترات طويلة يمثل مصدر العمل الأساسي للقوى العاملة في تلك المجتمعات، وترجع الدراسة هذه الأسباب التدهور البيئي على مدى السنوات العشر الماضية، حيث تسبب بأضرار بالغة بالقطاع الزراعي في العراق.
 
تقليص
وفي مجال تأثير شح المياه على المساحات المزروعة في البلاد كشف  الخبير في الشؤون المالية والاقتصادية مظهر محمد صالح في لقاء (متلفز)  عن انحسار الأراضي الصالحة للزراعة وتقليصها الى (6 - 8) ملايين دونم، بعد ان كانت 24 مليون دونم متوزعة بين مناطق ومحافظات العراق. وأكد مظهر إلى أهمية وجود هيئة رسمية تتولى تنفيذ وتطبيق السياسات الزراعية عموما والمائية على وجه الخصوص، اذ تعمل على تفعيل مبادرات التسليف الزراعية قصيرة الآجل للفلاحين على أن تكون الأفضلية للمشاريع الزراعية، التي تتبنى أساليب اقتصادية في الري والأكثر انتاجا للمحاصيل، يذكر أن أغلب أنظمة الري الحديثة مكلفة بالنسبة للفلاح البسيط مقارنة بأساليب الري التقليدية.
 
تصحر
 وكانت وزارة الزراعة قد حذرت من ان نسبة
55 % من مساحة العراق الكلية مهددة بالتصحر بسبب شح المياه، بينما يعاني ما يقارب من
27 مليون دونم من التصحر حاليا، أي ما يعادل 15 % من مساحة البلاد، وبحسب مدير عام دائرة الغابات ومكافحة التصحر في الوزارة راوية مزعل في تصريح سابق لـ(الصباح) أكدت فيه "أن انحسار الأمطار وانخفاض إطلاقات المياه من دول المنبع، أديا الى تقليل الخطة الزراعية خلال الفترة الأخيرة، مبينة أن القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يعتمد على الماء باعتباره المحدد الرئيس للعمليات الزراعية وزيادة 
الإنتاج. 
 
تكنولوجيا
يعتقد الخبير في الشؤون الزراعية والاقتصادية الدكتور رشيد مهدي السعدي أنه لا بدَّ من تطويع التكنولوجيا الحديثة لتنمية وتحسين الإنتاج الزراعي والتعامل بطرق علمية لمواجهة أزمة شح المياه والغذاء العالميتين قائلا: "كثير من الدول والمدن التي تصنف على أنها زراعية  لا تمتلك أنهاراً بالأساس، حيث قامت باستثمار المياه الجوفية لديها عن طريق حفر الابار وتقنين استخدام المياه، إضافة إلى إتباع أسلوب الزراعة المغطاة بالبيوت البلاستيكية (المحمية)، التي تقدم إنتاجاً عالياً بمساحات صغيرة، واستبدال الزراعة الأفقية بتلك العمودية، حيث لا تحتاج الى مساحات كبيرة، فضلا عن استخدام أصناف هجينة من البذور، كل ذلك من شأنه أن يوفر إنتاجاً عالي الجودة مع ترشيد استخدام المياه.
 
مزايا
وتابع السعدي في ما يخص المزايا التي يوفرها استخدام أنظمة الري الحديثة في الزراعة، حيث تهدف الى ترشيد استهلاك المياه والعمل على تحسين الإنتاج الزراعي، موضحا أن "الاستخدام الامثل للمياه ومعالجة إهدار الموارد المائية، التي يمكن الاستفادة منها في استخدامات أخرى، إضافة إلى أن طرق الري المبتكرة تسهم في تجنب الآثار البيئية الناتجة عن الاستخدام غيرالمقنن للمياه، وبالتالي الحد من المشكلات الزراعية التي تواجه الفلاحين، مثل التملح والتشبع والرشح، فضلا عن أنها تمكن من استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية الضرورية لتحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية عن طريق خلطها بماء السقي". علما أن هناك أنواعا عديدة من أنظمة الري الحديثة مثل الري المبرمج والري بالرش والري بالطاقة الشمسية ونظام الري بالتنقيط وغيرها.