سناء الوادي
بعد قرابة المئة عام من التزام الحياد تخلت فنلندا والسويد- الدولتان من الخمس الملتزمة بالحياد- عن تلك السياسة التي منعتها من الانضمام لأي حلف عسكري، وذلك بتقدم الدولتين لطلب العضوية قبل شهر من الآن لحلف الناتو.
قد تكون الحرب الروسية على أوكرانيا هي الدافع الأكبر لهذه الخطوة، رغم أن فنلندا والسويد تجمعهما مع روسيا علاقة ودية منذ توقيعهما لمعاهدة عام 1948 والتي تنص على أن الاتحاد السوفياتي سابقاً يسمح لفنلندا بالاستقلال بشرط التزامها بالحياد، وألا تكون جزءاً من كتلة عسكرية تشكل خطراً على أمن
روسيا .
هذه العلاقات بين الجارتين رحّب بها الاتحاد الأوروبي والغرب لسنواتٍ طوال، ولكن ما حدث من غزو روسي لأوكرانيا أثار هلع الفنلنديين فارتفعت نسبة المطالبين بالانضمام للحلف، وذلك بحثاً عن الحماية والدعم التي قد يوفرها لها الناتو في حال فكرت روسيا بغزوها، خاصةً أنها خسرت سابقا عقب الحرب العالمية
الثانية 10 % من أراضيها لصالح روسيا .
في المقابل فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ظهر هادئاً جدا في ردّه على انضمام الجارتين للناتو أثناء تواجده في قمة بحر قزوين بتركمانستان منذ أيام، ولكنه توعد بأنه في حال وجود أي بنى تحتية للناتو على حدود روسيا فإنها سترد وبقوة، فهي لن تسمح لأحد بتهديد سيادتها وأمنها الستراتيجي، وأكد ذلك ما جاء على لسان الرئيس السابق ديمتري ميدفيدف نائب رئيس مجلس الأمن القومي قائلاً: إن الخطأ الستراتيجي الذي وقع به أسلافه على الحدود الغربية لن يتكرر، وفي هذه الحالة لا يمكن الحديث بعد الآن عن وضعٍ خالٍ من الأسلحة النووية، وتابع أن إنشاء قواعد عسكرية جديدة يعني أن يصبح بحر البلطيق نووياً ملمحاً في ذلك إلى تفعيل روسيا لمنظومة صواريخ الشيطان S 500 ، تلك التي تعجز عن صدها الدفاعات الجوية والمميزة بأنها أسرع من الصوت بمرّات فقد تصل لقلب واشنطن بثلاث دقائق فقط.
موافقة الناتو لانضمام الدولتين قد تكون مكيدة لاستدراج بوتين لفتح جبهة جديدة بعد جبهة أوكرانيا التي لم تحسم بعد.
ناهيك عن أن أميركا تعتمد على سياسة النفَس الطويل التي ترتكز على إضعاف روسيا اقتصاديا وانهاكها بتوريطها بجبهات عدة في وقت واحد ما يشكل عبئاً وضغطاً كبيراً على الدب الروسي.
في ذات السياق فقد شككت شبكة CNN الأميركية بنجاح هذه السياسة، بعدما فاجأ بوتين العالم بتقاربه الوثيق مع الصين اقتصاديا مع احتمالية تطوره لتحالف عسكري للوقوف بوجه الناتو ومن وراءه أميركا، التي تستميت للدفاع عن سياسة القطب الواحد والنظام العالمي القديم.
هل ستقبل روسيا دخول فنلندا والسويد للحلف؟
لا أعتقد ذلك فقد تتشارك مع فنلندا حدوداَ بطول 1340 كم سينشر الناتو قواته فيها إضافة للشمال الغربي النرويجي ودول البلطيق الثلاث، هذا ما يعني بالضرورة تهديداً مباشراً للعاصمة موسكو القريبة من الحدود الغربية، ومن جهة أخرى فإن ذلك سيكبل روسيا بقيود الناتو من جهتها الغربية ويحرمها نفوذها في بحر البلطيق، حيث أن أحد أكبر أساطيل روسيا الحربية موجود فيه وتمر خلاله أنابيب الغاز والنفط وتعبر منه سلسلة النقل التجاري لها، وبهذا سيغلق المنفذ البحري البلطيقي في وجه روسيا إضافة لخنق منطقة كالينغراد الروسية.
أمين عام الناتو أعلن في اجتماع قادة الحلف في مدريد مفهوما ستراتيجيا جديدا، معتبراً روسيا المهدد المباشر لأمنه. وإن موافقة تركيا المشروطة على دخول الدولتين ورفع الحظر عنهما هي رسالة واضحة لتأرجح العلاقات الروسية– التركية، فالأخيرة التي بدأت اليوم بدعم أوكرانيا عسكرياً بتقديم شركة بايكر العسكرية ثلاث طائرات مسيّرة بيرقدار TB2 دعما للحكومة الأوكرانية .
أميركا ومن وراء هذا المشهد تدعم تركيا بصفقة محتملة لبيع 40 مقاتلة F 16 و80 من معدات تحديث لطائرات حربية حالية مايعني تسليحاً ضمنياً لها لأي حرب محتملة مع روسيا، أردوغان وبموافقته على دخول الدولتين يضمن السكوت الغربي عن عملية مرتقبة ضد الأكراد في الشمال السوري، وفي سياق متصل ينبغي الحديث عن وجود أصوات كردية مناهضة في السويد لمذكرة التفاهم مع تركيا هذا ما يزعزع الأمن الداخلي السويدي.
إن ما قامت به تركيا قابله بوتين بتوجيه رسالة ضمنية في سياق حديثه "أنه سنضطر للرد بالمثل وخلق تهديدات للأراضي التي تنشأ منها تهديدات تجاه روسيا "ما جعله يعزز الجناح العسكري الغربي بعدما رفع الناتو عدد قوات الرد السريع ذات التجهيز العالي لـ 300 ألف بعد أن كان 40 ألفاً.
الأحداث متلاحقة والسناريوهات مفتوحة لكل الاحتمالات والمشهد السياسي مضطرب، والقلق هو الحالة المسيطرة على الأجواء حول ما سيحدث في قادم الأيام.. وهل سيشهد العالم حرباً نووية روسية تحسم بها الحرب.. كل ذلك يتوقف على ردة الفعل الروسي تجاه
ما يحدث.