أزمة العراق المائيَّة والخيارات المطروحة

آراء 2022/07/20
...

 ماهر لطيف  
تعاني بلاد الرافدين من أزمة مياه باتت مزمنة عاما بعد عام مع اجتماع ظروف عديدة ساهمت في تفاقمها، بدءا من عدم التزام كل من تركيا وإيران بالاتفاقيات الدولية الموقعة والضامنة لحق كل دولة في الحصص المائية وتعديهما على حصص العراق، مرورا بظروف داخلية مثل الإرهاب والفساد وسوء الإدارة والمحسوبية، وصولا إلى مشكلة التغير المناخي وتقلص كميات الأمطار. 
أمور جعلت من العراق أرض دجلة والفرات يُعاني العطش للموسم الثالث على التوالي، وباتت معها أزمة المياه من المخاطر الأساسية الواجب مُعالجتها سريعا قبل أن تخرج الأوضاع عن السيطرة.
بداية يعتمد العراق في تأمين المياه بشكل أساسي على نهري دجلة والفرات وروافدهما التي تنبع جميعها من تركيا وإيران، وقد أدّت المشاريع التّي ينفذها البلدان إلى تقليص حصص العراق المائية، أما داخليا ووسط تراجع كميات الأمطار خلال الموسم الحالي نشبت خلافات بين حكومة بغداد المركزية والحكومات المحلية في المحافظات، التّي تحاول الاستحواذ على حصص مياه أكبر من تلك المُخصّصة لها.
ولمُواجهة ذلك اتخذت وزارة الموارد المائية عدّة إجراءات للحفاظ على مخزون مياه ستراتيجي من بينها تنظيم ومراقبة الإمدادات المائية وضمان العدالة في توزيع المياه بين المحافظات العراقية، مع إعطاء الأولوية لتوفير مياه الشرب ثم مياه الري.
وتضمّنت الإجراءات أيضا تنفيذ وإنشاء محطات ضخ جديدة لضمان استمرار انسيابية المياه في الأنهار الرئيسية والفرعية والعمل على إنجاح الخطط الزراعية الموضوعة، وعمدت الوزارة العراقية أيضا إلى تنفيذ حملة واسعة لتطهير وتنظيف شبكات الجداول ورفع الترسبات الطينية من مقدمات السدود ومجاري الأنهار.
كما قامت السلطات بحفر أكثر من 530 بئرا في المناطق البعيدة عن مصادر المياه السطحية في مختلف المحافظات، منها 200 بئر في محافظة ديالى الأكثر تضررا من أزمة المياه الراهنة.
لكن حسب رأيي المتواضع فإن هذه الإجراءات التي اتخذتها وزارة الموارد المائية غير كافية، حيث من المنتظر أن تأخذ فترة أطول حتى تعطي ثمارها على أرض الواقع، كما أن تجاوز الأزمة المائية ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى تضافر جهود كبيرة من قبل المسؤولين والخبراء المختصين في الموارد المائية وأصحاب المراكز البحثية.
وفي المقابل، هناك خُطوات سريعة وضرورية لتجنيب البلاد خطر الجفاف ومنها ضرورة ترتيب البيت الداخلي العراقي بتكوين حكومة وطنية تضم جميع الفرقاء تجعل أولويتها مصلحة العراق فوق كل مصلحة شخصية وتحارب الفساد ومظاهر التجاوز على الحصص المائية، بعدم شراء المحاصيل الزراعية من المتجاوزين، كما يجب على الحكومة فتح الأسواق الداخلية أمام منظومات الري الحديثة، من دون فرض رسوم أو ضرائب عليها وتشجيع الشركات والأفراد وتقديم قروض دون فوائض للفلاحين ودعمهم لمواجهة التحديات.
أيضا من الأولويات دمج وزارتي الموارد المائية والزراعة في وزارة واحدة، لأن عدم التكامل والتفاهم بين الوزارتين ساهم في هدر كميات مياه أكبر، مع ضرورة إرساء المجلس الزراعي الأعلى وترك العمل للخبراء والمختصين لإعداد الخطة الزراعية والمائية تحت إشراف دولة رئيس الوزراء.
كذلك يجب تحديث محطات التنقية وشبكات الري وتوزيع المياه، والاستفادة من خبرة الشركات والدول الكبرى في هذا المجال، والأخذ بعين الاعتبار ثنائية العرض والطلب، والاستفادة من الموارد غير التقليدية كاستخدام المياه العائمة والحصاد المائي.
 يجب اعداد خطط بأفكار جديدة تنبني على أساس كميات المياه الموجودة، لا على أساس مساحات الأراضي المزروعة، كما يجب ادخال الزراعات الحديثة المتطورة، كالزراعات الهدروبية (مثلما فعلت السعودية والإمارات) وإدخال الشعير المستنبت، والتركيز على قطاعات تستهلك مياهاً أقل ولما لا تجربة الاستمطار الصناعي التي نجحت مع المملكة السعودية.
وقبل كل ذلك فإن المطلب الملح هو التفاوض مع تركيا وإيران باستخدام أوراق الضغط (من قبيل النفط وحزب العمال الكردستاني والميزان التجاري بينها)، قبل أن تشرّع تركيا في بناء سد الجزرة القاتل، الذي سيمتص كل المياه المتسربة من السدود.
أمام العراق أشهر ساخنة وتحديات كبيرة والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو كان الشتاء القادم جافا؟، أكيد ستتعقد المسألة وستكون الحلول صعبة، خصوصا إذا عرفنا أن مخزون المياه الستراتيجي للعراق يقدر بأقل من 17 مليار متر مكعب بينما يقدر الاستهلاك بأكثر من 40 مليار متر مكعب.
صفوة القول، أي صراع بين دولتين في العالم ينبني على 3 أشياء مصادر الطاقة وطرق التجارة الدولية ومصادر المياه والعراق يمتلكها الثلاثة، وإن لم يبادر إلى حل مشكلة نهري دجلة والفرات، فإن بلاد الرافدين مهددة بأن تفقد أهميتها الستراتيجية وأمنها القومي، خصوصا أن الحرب القادمة لن تكون من أجل النفط والغاز، بل من أجل السيطرة على المضائق والقنوات المائية والممار البحرية.