4000 منطقة عشوائيَّة تنتظر.. إزالة.. بديلاً.. تمليكاً

ريبورتاج 2022/07/20
...

  بشير خزعل 
  تصوير: نهاد العزاوي
واجهت بغداد العاصمة عبر مراحل زمنية متعددة مشكلة المتجاوزين التي امتدت من ثلاثينيات القرن العشرين، وفي الخمسينيات والستينيات ولغاية بداية العهد الجمهوري، حتى أصبحت هذه المناطق الوجه الحضاري المشوه للعاصمة العراقية، ومن خلال أمانة بغداد حاولت الحكومات السابقة معالجة هذه المشكلة بصورة جذرية وشاملة، تمثلت في إزالة مناطق الصرائف في الشاكرية وكرادة مريم (المنطقة الخضراء حالياً) وخلف السدة الشرقية، وبعد العام 2003 تفاقمت ظاهرة العشوائيات مجدداً بسبب ضعف سلطة القانون وسوء أداء الأجهزة البلدية ورقابتها، وامتدت التجاوزات لتشمل أراضي وممتلكات مؤسسات الدولة المختلفة، وحتى بعض الأملاك الخاصة.
أخبار وأسعار
 بعض الأماكن الحيوية والمناطق التجارية تباع وتشترى (بدفاتر) من 10000 دولار وصولا إلى 30000 او 50000 من قبل المتجاوزين عليها، بعض (مكاتب دلالية العقارات) صارت تروج لبقاء تلك التجاوزات كواقع حال دائم، خصوصا مع كثرة الحديث عن سعي الحكومة إلى إقرار قانون السكن العشوائي وتمليكه لساكنيه، الأمر الذي زاد من ظاهرة التجاوز في أغلب المدن العراقية بشكل مبالغ فيه وأربك تصميمها الأساسي لكل من يريد أن يخطط لمشاريع عمرانية وبنى تحتية مستقبلية.
 
فوضى وأضرار
في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد استغلت أغلب الساحات من قبل أشخاص قاموا ببناء بيوت من مادة البلوك، وبدت تلك المساكن كأنها في القرى والأرياف او الأقضية والنواحي البعيدة، لكنها تحتل مواقع ومساحات غالية من ناحية الأسعار، في منطقة البنوك ببغداد توجد منطقة عشوائية تحتل مساحة واسعة من الأرض وتحوي أكثر من 150 منزلا، استغلها المتجاوزون لبناء بيوت بشكل فوضوي أدى إلى تجاوزات أضرت بشبكات الماء والكهرباء وخربت الشوارع الرئيسة في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى امتعاض أهالي المنطقة الأصلية وشكواهم بشكل دائم من تصرفات غير مسؤولة لأصحاب السكن العشوائي. عامر كاظم (53) سنة، أحد سكنة هذه المنطقة القدامى قال: لا يمكن أن تستغل هذه الساحات للبناء العشوائي في مناطق أسعارها غالية جداً، لأنها أربكت حال المنطقة بشكل لا يوصف من جوانب مختلفة، خدمية وأمنية واجتماعية واقتصادية، فالكثير من المنازل تعرضت للسرقة، والأهالي يشكون من التحرش ببناتهم في الذهاب والإياب للمدارس، بالإضافة إلى أن بعض البيوت أصبحت حظائر للأبقار والأغنام والدواجن، كما أن البيوت القريبة من التجاوزات او (الحواسم) أصبحت أسعارها أقل بنسبة 30 % عن المناطق الأكثر بعداً عنها.
 
تزايد
في منطقة الشعب والمناطق الملاصقة لها أصبحت المناطق العشوائية أكثر عدداً بمقدار النصف خلال العشر سنوات الماضية، وما زاد من امتداد تلك المناطق وتوسعها هو ما يشاع من مضي الحكومة بتمليكها إلى شاغليها مقابل مبالغ مادية رمزية، تمدد هذه المناطق شكت منه أيضا وزارة الكهرباء التي قالت: إن هذه المناطق أضرت بشبكة التوزيع بشكل بالغ، وكذلك باقي الخدمات الأخرى مثل الماء والمجاري واكتظاظ المحال والأزقة وحصر طرقها الفرعية والرئيسة، يقول المهندس العمراني احمد خلف المختص في التصاميم العمرانية: تتحمل أمانة بغداد جزءاً كبيراً من المسؤولية في تمدد تلك العشوائيات واتساعها لتشكل نسبة كبيرة في مناطق بغداد، ومن يريد إعادة تنفيذ تصميم أساسي جديد لمدينة بغداد سيواجه معضلة كبيرة لوقوع تلك العشوائيات في مناطق ستراتيجية وحيوية تحول دون تنفيذ تلك المشاريع.
 
قانون مقترح
وزارة التخطيط قالت: إن القانون الذي تقدمت به إلى مجلس النواب، يتضمن تمليك أراضي العـشوائيات السكنية لشاغليها أو تعويضهم مـن خلال بناء مجمعات سكنية بديلة، لافتة إلى أن هذا الإجراء سيكون مرهونا بالإمكانيات التي سيتم توفيرها لها وطبيعة كل عشوائية، وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي: سبق أن تم عرض القانون المذكور على طاولة مجلس النواب في دورته السابقة، ولم يتم التصويت عليه نتيجة للانتخابات المبكرة، مشيرا إلى أن الكثير من نــواب الــدورة الحالية يؤكدون ضــرورة إقــرار القانون لحلحلة أزمة السكن، وأضاف أن الوزارة ستمضي في المعالجات حال إقرار القانون، معتقداً في الوقت نفسه أنه سيكون على طاولة التصويت بعد انتهاء عطلة الفصل التشريعي.
وبينما لفت الهنداوي إلى عزم الـوزارة على إجـراء مسح اقتصادي واجتماعي لوضع الحلول لكل عشوائية على حدة، أوضح أنها لم تنفذ مسحا جديدا بعد الحملات التي أجرتها أمانة بغداد لإزالة العشوائيات، بل اعتمدت على آخر مسح أجـري في عام 2019 والـذي أكد وجود نحو 4000 عشوائية في بغداد والمحافظات.
 
ثقافة المواطن
المهندس المدني ثامر عبد الحسن، باحث ومختص في تصاميم المشاريع السكنية، أشار إلى غياب الوعي الثقافي لدى فئات واسعة من المواطنين، فليست أمانة بغداد وحدها من تسهم في تقليص مساحات المناطق العشوائية، ولا بد من تعاون تضامني ما بين أمانة بغداد والمجالس البلدية والمواطن لمنع التجاوز، فليس من حق أي شخص أن يسخر الخدمات العامة لأغراض المنفعة الشخصية ويخرب الشوارع والأرصفة، ويستغل الساحات العامة في البناء تحت مسميات وواجهات غير حقيقية وتقف خلفها دوافع المنفعة والاستغلال لأراضي الدولة المخصصة كمتنزهات او ملاعب للأطفال، نرى الكثيرين يرمون القمامة وسط الشوارع العامة وهناك من يتجاوز على الشارع العام ويحفر شقا طويلا لغرض الوصول إلى شبكة مياه الشرب، وهؤلاء لو كانوا يتوقعون عقوبات رادعة لما تجرؤوا على مثل هذه الأعمال، لكن تهاون الدولة وضعف القانون أديا إلى نتائج كارثية حولت بغداد بأكملها إلى مدينة عشوائيات، وأضاف الشمري: لا بد من أن تلتفت الدولة وأجهزتها المختصة إلى ظاهرة العشوائيات بشكل جدي وتفعل قوانينها الخاصة، وتمنع الجهات السياسية من التدخل في حماية المتجاوزين، فليس من مصلحة البلاد أن يكون للمتجاوز حق في استغلال شبر واحد من الأملاك العامة للدولة او المخصصة لخدمة المواطنين، ولا يمكن أن ينجح أي مشروع خدمي ما دام هناك غياب لإرادة حقيقية وقانون ضعيف يمنع اتساع ظاهرة العشوائيات.  
 
حلول غير واضحة
مصدر في أمانة بغداد بين أن التحديثات للعشوائيات تتم سنويا في سجلات ضمن قوائم من قبل مسؤولي مراكز البلدية، وكل مركز بلدية لديه مسؤولون ومراقبون مختصون في الاحصائيات الخاصة بالعشوائيات، لكن الحلول الجذرية لهذه المشكلة ما زالت بحاجة إلى قانون خاص للحد من انتشار العشوائيات، ولا بد من تاريخ فاصل يمنع ظهور أي عشوائية جديدة  وازالتها بالقانون، بشرط أن تكون هناك معالجة تتم وفقاً لطبيعة كل عشوائية، فبعض العشوائيات نشأت ضمن التصنيف الأساسي للمدن فمن الممكن أن تؤهل ويتم تمليكها بأجور يحددها القانون، لكن هذا لا يعني أن يكون هذا الأمر مدعاة لتوسع العشوائيات وانتشارها بشكل خارج عن نطاق السيطرة في بغداد وباقي المدن العراقية، لأن هذا الامر سيؤدي إلى فشل أغلب المشاريع الستراتيجية ويشوه صورة العاصمة بغداد.