معاناةٌ مستمرة وحلولٌ مؤجلة .. المناطق العشوائيَّة في طي النسيان

ريبورتاج 2022/07/20
...

طفوف احمد تصوير: خضير العتابي
 
 
يستحوذ التفكير على المتقاعد محمد في كل ليلة ما إن يضع رأسه على الوسادة، فيشغله عدم وجود الماء النظيف، وكذلك التيار الكهربائي الذي يعطل الأجهزة الكهربائية بسبب عدم استقراره، معاناة محمد لا يحكمها موسم، فالصيف ولهيبه كما الشتاء وأمطاره التي تجعل من سقف منزله الذي صنع من الحديد المتآكل شلالاً لا انقطاع له، يفكر أيضاً بجاره الذي يصطنع المشكلات معه ومع أطفاله، ولا يوجد نظام تصريف لمياه الصرف الصحي، كما تنعدم كل الخدمات، فهو يسكن المناطق العشوائية.
تجاوز
هكذا كان لسان حال الشيخ حسن مصطفى الذي يسكن إحدى المناطق العشوائية وسط منزل مهدم ويضطر إلى دفع 50 ألف دينار شهرياً كبدل إيجار للمنزل، وأضاف مصطفى بأنه مضطر إلى العمل لتوفير مصاريف الإيجار ولقمة العيش لأهله، إذ لا معيل لهم سواه على الرغم من تقدمه في السن.
 
أسباب رئيسة
صباح منصور، المدير العام لستراتيجية الفقر وعضو اللجنة العليا لمعالجة السكن العشوائي في وزارة التخطيط، أوجز عوامل عديدة تؤثر في جانب زيادة العشوائيات السكنية، منها الكثافة السكانية في بعض المناطق، فكلما كانت المنطقة ذات كثافة سكانية عالية يلجأ قاطنوها إلى السكن العشوائي. وبين منصور أن "المستوى المعيشي لساكني المنطقة يحدد الثقافة العامة لتلك المناطق ويدفعهم للتجاوز والسكن العشوائي، وأشار أيضًا إلى وجود خارطة طريق لمعالجة هذه المشكلة جذرياً، فلقد تم رفع قانون لمجلس النواب يتضمن معالجات عديدة، وإقراره  يعطينا الصفة القانونية والقوة لتنفيذ هذه الإجراءات والتي من الممكن أن تكون صعبة، ولكن لا يوجد شيء مستحيل لو أقر القانون وفقاً لما أرسل من وزارة التخطيط أو لجنة العشوائيات وقد تم وضع ستراتيجيات معدة لكل حالة، من الممكن أن تقضي على نسبة كبيرة من المشكلة. 
 
جزئيات مختلفة
بينما بين حيدر مجيد، المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أن هنالك جزئيتين في أسباب ظهور العشوائيات السكنية في عموم المحافظات، ونحن اليوم نتحدث عن ظاهرة واسعة الانتشار وهي ظاهرة العشوائيات، وبحسب إحصائيات يوجد أكثر من (3) ملايين ونصف مليون إنسان يعيشون في العشوائيات  بواقع (4) آلاف عشوائية منتشرة في كل المحافظات بدون استثناء تتقدمها بغداد بواقع ألف عشوائية تليها البصرة وبقية المحافظات، وأوضح مجيد بأن أحد تداعيات الزيادة السكانية هو وجود أزمة سكن يرافقها وجود عشوائيات في العراق، وأكد أن الخطط التي نعمل عليها هي أن نستوعب هذه الزيادات ونحولها من أعباء إلى محركات تنموية متفاعلة من خلال مجموعة من السياسات التي نسميها سياسات سكانية بعيدة المدى في مختلف المجالات وبالدرجة الأولى سياسة السكن وسياسات في مجال الصحة والتعليم وتمكين الشباب والمرأة، وكل هذه السياسات كانت حاضرة ضمن رؤية وزارة التخطيط ضمن الوثيقة الرسمية للسياسات السكانية البعيدة المدى، وتنفيذها في نهاية المطاف يقع على عاتق الجهات التنفيذية المعنية بهذا الموضوع. 
 
معالجات جذرية
وتابع حيدر مجيد تصريحه قائلًا: في ما يتعلق بالمعالجة، ينبغي أن تكون في مسارين متوازنين، الأول معالجة فجوة السكن الموجودة في عموم العراق، أما المسار الثاني فهو تركيز الجهود على مسألة العشوائيات ومعالجة هذه المشكلة التي تمثل ضغطاً على كل المفاصل الخدمية والأمنية والاجتماعية في البلاد، لكن في ما يتعلق بالمسار الأول (أزمة السكن) فهنالك جملة من مشاريع خطط التنمية الخمسية تنفذ من قبل الجهات القطاعية، وأتوقع سيكون هنالك تغير كبير في مسار السكن في العراق خلال السنوات المقبلة، وأوضح لدينا الآن مشروع (داري) إذ تم تخصيص نصف مليون قطعة أرض سكنية، ولدينا مشاريع استثمارية أخرى للتقليل من فجوة السكن العشوائي، ونوه مجيد في مسار معالجة العشوائيات، فلقد وضعت وزارة التخطيط خطة متكاملة بكل مراحل المعالجة، وهذه الخطة ضمنت في مسودة قانون تمت تسميته "قانون معالجة السكن العشوائي والزراعي في العراق" وقدم إلى مجلس النواب في الدورة السابقة لكنه لم يصوت عليه ونعزو ذلك إلى انتهاء عمل مجلس النواب في وقت قصير وسيكون هذا القانون ضمن أولويات مجلس النواب الحالي. 
قانون دستوري
وبيّن الباحث في الشأن السياسي والخبير القانوني مهدي الصبيحاوي، أنه بعد عام 2003 انتشرت ظاهرة العشوائيات السكنية بالعراق ووصل عدد العراقيين حسب آخر إحصائية لعام 2019 إلى ثلاثة ملايين عراقي يسكنون في العشوائيات، كما يجب أن تتم التفرقة بين من يتجاوز على طريق المارة ببعض الأمتار، ومن اشترى (عرصة) قطعة أرض بعقد تحريري ومن تجاوز على أرض تعود ملكيتها للدولة، أما القانون العراقي رقم 154 لسنة 2001 فخصص لجاناً تابعة للبلديات الموجودة في المحافظة على سبيل المثال بلدية محافظة بغداد أو بلدية محافظة الانبار يكون اختصاصها رفع التجاوزات بعد اتباع الإجراءات القانونية اللازمة بحق المتجاوزين ومن أهمها بعد ثبوت التجاوز على أراضيها هو الإنذار وطبيعة هذا الإنذار تختلف حسب نوع التجاوز ومساحته، إذ  تتراوح مدة الانذار من (15 إلى 30 وتصل إلى 60 ) يوماً، يسلم إلى المتجاوز ويكون مضمونه (امهال المتجاوز برفع التجاوز خلال مدة الانذار وفي حال عدم رفعه سيتم رفعه بالطرق القانونية اللازمة) وهي التنفيذ المباشر وبالقوة، كما أن هناك عقوبات تصل إلى السجن لمدة عشر سنوات وهذا ما نص عليه قانون رقم 36 لعام 1994 لكل من يتجاوز على المال العام، وأشار الصبيحاوي إلى أن القانون كما أعطى الحق للدولة بالمقابل أعطى الحق للمواطن باللجوء إلى  محاكم البداءة الذي يقع العقار المتجاوز عليه ضمن أعمالها لكن بشرط أن يكون هناك غبن وقع على المواطن وهذا ما نص عليه القانون المدني العراقي.