ذوالفقار يوسف تصوير: نهاد العزاوي
يجتذب نظر أحمد مشهد كلما مر من هذه المناطق، فمكان عمله يحتم عليه المرور كل يوم في شوارعها المعدومة الخدمات، عشوائية التخطيط تجعل منه يستخدم تطبيقاً الكترونياً يبين له موقع عمله وكيفية الوصول إليه، ليس هذا ما أدهشه، بل العجلات الفارهة التي تركن أمام منزل وآخر، يفكر أحمد مع نفسه ويتساءل، هل أن مالك (الجكسارة) التي رآها هو مجرد ضيف على منطقة (الحواسم)؟.
لم يعط أحمد لهذا المشهد الذي يراه كلما مر بهذه المناطق العشوائية الحق بالتأكيد، فشكوكه ومبرراته لسكنة هذه المناطق مستمرة، الا أن ما جعله يقطع الشك ويتيقن بأن أصحاب هذه العجلات هم من يقطنون في هذه المنازل، إذ إنهم يرتدون أحلى وأفضل الملابس، ويحملون أجهزة هواتف باهظة الثمن، فما الذي يحدث يا ترى؟.
فرصة
وبينما تقترن تسمية (الحواسم) بدخول القوات الأميركية إلى العراق ومعركة 2003، وأيضاً تم إطلاق هذه التسمية بعد عمليات السلب والنهب التي قام بها بعض ضعاف النفوس والتي طالت مؤسسات الدولة ودوائرها ومصارفها، لتلتصق بالمناطق العشوائية السكن والتي غالباً ما يسكنها الفقراء.
سجاد سليم (33 عاماً) هو الآخر قد فاجأنا عندما سألناه عن سكنة هذه المناطق ليؤكد لنا بقوله: "إن الأمر غريب على من هو بعيد عن هذه البقعة، الا أن القريب منهم يعرف جيدا أن أغلب سكان مناطق (الحواسم) هم من ميسوري الحال، ولا تستغرب إذا قلت لك بأن بعضهم يمتلكون ثروات، إلا أن هذه الظاهرة صارت تجارة لهم".
عدنا لنتقصى الحقيقة من مواطن آخر، فحمزة الساعدي (40 عاماً) تؤجج المعرفة غضبه، فقد أكد لنا أن البعض منهم يمتلكون منازل في أحياء راقية من العاصمة، إلا أنهم يؤجرون هذه المنازل ببدل إيجار يتخطى المليون دينار شهرياً، لذلك تراهم يتكاثرون في هذه المناطق للسكن عليها مجاناً، فهم في النهاية يعتبرونها فرصة وخصوصا مع قلة العقوبات التي تفرض عليهم من قبل الحكومات المتعاقبة.
حي التنك والشيشان
وتنتشر هذه المناطق في بغداد بشكل لافت، إذ يتم اختيار السكن في المناطق التي تقع ضمن رقعة جغرافية قريبة من وسط العاصمة، ومنها من تكون تحت الجسور المهمة، وأخرى قرب الدوائر الحكومية، وغيرها تختار أن تلتصق بأحياء العاصمة الأكثر نظاماً عندما يرون مساحة من الأرض لم تبن عليها المنازل وتكون تابعة لجهات حكومية. هذا ما أكده لنا الاستاذ محمود الأخرس إذ يقول إن "هناك منطقة عشوائية او (حواسم) لكل منطقة في العاصمة، في مناطق مثل القاهرة والوزيرية والباب الشرقي وحتى المنصور والشعب، إذ تبلغ الأحياء العشوائية أكثر من 35 حياً تطلق عليها التسميات أمثال الشيشان وحي التنك وحواسم الدورة وحواسم الحرية والعديد من المناطق الأخرى".
يؤكد الأخرس أن "هذه المناطق تنعدم فيها كل مظاهر السكن النظامي، فالخدمات معدومة وإذا توفرت فهي مؤقتة، فلا منظومات لمياه الصرف الصحي، والتيار الكهربائي متذبذب، وشوارع ترابية تخلو من كل أشكال النظام، إضافة إلى العشوائية في بناء المساكن، فقد ترى من يبني المرافق الصحية في منتصف الشارع، وآخر يأخذ من مساحة الشارع ليبني له موقفاً لسيارته".
كل شيء بسعره
ولا ينتهي الأمر عند سكن الناس فقط، بل هناك البيع والشراء والتأجير لهذه المساكن بالرغم من عدم شرعيتها كعقار، فبعضهم يبيع منزل مساحته 100 متر مربع بعشرة ملايين دينار عراقي، وآخر يبيع منزله ما أن يكمل بناءه بسبعة ملايين، الحاج زياد طارق (54 عاماً) وهو يمتلك مكتباً للدلالية، يقول لـ (الصباح) إن "أغلب من يحاولون البيع والشراء يكون الفاصل بينهم (مكاتبة) فقط!، أي يتم الاتفاق على بيع المنزل من خلال مكاتب الدلالية بورقة يدون عليها الاتفاق، يتفق عليها كلا الطرفين وبحضور شاهدين ليتم توثيقها بنسختين، فلا وجود لسند رسمي، ولا حتى رقم دار لكون المنزل يقع ضمن المناطق العشوائية".
سألنا الحاج طارق عن سبب الإقبال على هذه المساكن فقال: "إن هذه المنازل أرخص بأضعاف من المساكن الرسمية والقانونية، فالمنزل الذي يبلغ سعره في المناطق العشوائية عشرة ملايين، تراه يبلغ في المناطق النظامية الرسمية 100 مليون دينار، ولأن العديد منهم لا يقوى على دفع بدل إيجار، يكون المنفذ الوحيد له هو السكن في هذه المناطق".
من هذا المنبر عرجنا على هذه الظاهرة التي طالت البلد وشوهته، فهذه العاصمة وهي تكتظ بمناطق عشوائية لتجرف البساتين وتخفي ملامح بغداد، وكل ذلك مستمر بلا حلول ولا بدائل، إذ إن مشكلة السكن هي الأولى في البلد، ومن الواضح بأنها لن تنتهي في القريب العاجل!.