ما لم يقل عن استقالة جونسون

آراء 2022/07/20
...

  عبد الحليم الرهيمي
 
رغم قوله إن رئاسة الوزراء هي أعظم وظيفة بالعالم، فإنه قال ايضاً عندما كان عليه مغادرة هذه (الوظيفة): إنني استقيل من زعامة الحزب (المحافظين) بشكل فوري، ومن رئاسة الحكومة البريطانية استطراداً تبعاً للقوانين المعمول بها .
جاءت استقالة بوريس جونسون من الحزب ورئاسة الوزراء في بريطانيا، بعد استقالة خمسة وزراء اساسيين من حكومته وعدد من كبار مستشاريه، وذلك بعد انتقادات مسلكية وسياسية وجهت اليه من نواب حزبه .
اهتم العالم وخاصة دول أوروبا بهذه الاستقالة لما سيترتب عليها من نتائج وآثار على الأوضاع في بريطانيا ذاتها وأوروبا. لكن بلدان العالم الثالث، لا سيما في العراق نظرت اليها بدهشة وكأنها لا تصدق أن مسؤولاً بمنصب رفيع يستقيل بهذه السهولة. لذلك (اجتهد) الكثير من الاعلاميين، لاسيما (المحللين) منهم في تفسير أسباب ودوافع هذه الاستقالة لمحاكاة كبار المسؤولين في الدولة العراقية، بأن عليهم الاستقالة من مناصبهم، حينما تتوفر أسبابها وضرورتها. وبينما رأى عددٌ من (المحللين) أن من اسباب استقالة جونسون هو شيوع ثقافة الاستقالة في بلد عريق بديمقراطيته، وأنها تعبير عن النزاهة والالتزام بتطبيق القوانين المرعية السائدة. وغير ذلك من أسباب، لكن معظم أو كل هؤلاء المحللين تجاهلوا او أنهم يجهلون، أحد الاسباب الرئيسة للاستقالة في الديمقراطيات الحقة، وعدم توفر هذا السبب في بلدان الديمقراطيات الهشة او البلدان غير الديمقراطية، والسبب هو أن الوظيفة أو المنصب الرفيع في مؤسسات الدولة الديمقراطية هو خدمة وطنية عامة لا يحظى بأية امتيازات او مكاسب غير مقبولة من الرأي العام، كالراتب المرتفع نسبياً وعناصر حماية قليلة العدد، وربما بعض (الامتيازات) للمنصب ويبقى هذا (الموظف) الكبير تحت طائلة الرقابة والمساءلة عن إدارته وثروته، بما لا يسمح له بتحقيق مصالح ومكاسب خاصة نافعة له باستغلال منصبه لذلك، فعندما يستقيل لا يشعر بأنه سيخسر او يفتقد مصالح ليست له، فيذهب الى بيته مرتاح البال وغير ملاحق الا نادراً بسبب تهمة ما توجه له .
وما لم يقله (المحللون) عندنا في تفسير استقالة جونسون، أن توفير واشاعة ثقافة الاستقالة عندنا تتطلب توفير وضمان أحد شروطها المهمة، وهي وضع الضوابط والقوانين والاجراءات، التي لا تشجع ولا تدفع الموظف الكبير او المسؤول في اي من مؤسسات الدولة على التمسك بمنصبه، ومن هذه الاجراءات ألا يمنح الموظف الكبير امتيازات كبيرة، وغير مقبولة من الرأي العام كالرواتب الفلكية ومخصصات سكن حمايات لا عمل لمعظمهم غير الغسيل اليومي للسيارة الضخمة ورواتب تقاعدية عالية، وصلاحيات في التصرف والتلاعب بأموال مؤسسته ومنحه صلاحية إقامة مشاريع وتوقيع عقود دونما حاجة لها او بأسعار خيالية لمصالح شخصية لا عامة. لذلك عندما يفشل هذا الموظف أو يعجز عن أداء مهامه كما ينبغي او تفرض عليه الاستقالة، فإنه والحالة هذه لا يتردد، بل يبادر هو، لتقديم الاستقالة لأنه لا يخسر شيئاً من تركه لتلك (الوظيفة)، بل قد يتخلص من عبء التزامه بالعمل وبذل الجهود لتقديم الخدمة للمواطن والبلد .