أمن المنطقة أم أمن الطاقة ؟

آراء 2022/07/22
...

 محمد صالح صدقيان 
 
في الوقت الذي ما زالت فيه المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة تراوح مكانها حلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضيفاً علی طهران بعد أيام من جولة قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة وكأن المشهد الشرق أوسطي علی موعد يتجاوز قضاياه المهمشة وأزماته المتوترة . 
وإذا ما استثنينا "إعلان القدس" الذي أراد تقديم إدارة الشرق الأوسط للكيان الإسرائيلي فإن بقية تفاصيل الجولة لم تكن كما أرادها ربان السفينة الأميركي ؛ لأن الزعماء العرب الذين التقاهم في جدة لم يكونوا كما تمنی حيث كانت كلماتهم واضحة في انتقاد السياسة الأميركية حيال القضايا الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط . مقابل هذا المشهد كان هناك مشهد آخر في الجهة المقابلة اشترك معه بانتقاد السياسة الخارجية الأميركية حيث وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجليه علی أرض كانت وما زالت متمردة علی السياسة الأميركية . هذه هي المرة الثالثة التي يزور فيها بوتين طهران ... كانت الزيارة مختلفة تماماً ومن نوع آخر ... كان منشرحاً ...فرحاً .. أكثر هدوءاً علی عكس المرات السابقة ... راقبت حركاته حتی عندما جلس علی بعد ثلاثة أمتار من المرشد الإيراني ملاصقاً لجدار الصالة .. لم يكن متضايقاً وإنما أراد أن يسمع ... وحينما همّ بالرحيل كانت المصافحة مع المرشد تدل علی الموافقة لعزم مشترك بالعمل طويل الأمد يصب بمصلحة البلدين في طريق الوقوف أمام الهيمنة الأميركية الاقتصادية والعسكرية والأمنية ... هكذا قرأت زيارة الدب الروسي القصيرة لطهران . وماذا بعد ؟ هل هناك شيء آخر ؟
لأول مرة توقع إيران علی عقد نفطي مع شركة غاز بروم الروسية العملاقة بقيمة 40 مليار دولار.  هذا العقد علی أهميته الاقتصادية للطرفين ؛ إلا أنه أيضاً سمح لروسيا بإقامة "مستوطنة" في منطقة جزيرة كيش الواقعة في وسط المياه الخليجية للتنقيب واستخراج النفط من حقل نفطي إيراني غير مستخدم سابقاً . وفي الشمال منه سوف تعمل الشركة الروسية لتطوير حقل بارس الشمالي المشترك مع قطر لانتاج الغاز الطبيعي . وبعبارة أكثر وضوحاً فان هذين الموقعين سوف يكونان شاهدين علی تحرك جميع القطع البحرية التي تبحر في المياه الخليجية بما في ذلك قطع البحرية التابعة للأسطول الخامس الأميركي المتمركزة في البحرين . لاننسی أن حقل بارس الشمالي غير بعيد عن قاعدة الأسطول الخامس الأميركي . هل أن هذا الأمر مهم لواشنطن وموسكو ؟  ببساطة لايخلو من أهمية ومن قلق للجانب الأميركي . 
في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي ارسلت طهران رسالة للحكومة الأميركية أو لجهات في الولايات المتحدة حذرت فيها من مغبة ممارسة المزيد من الضغوط علی إيران لأن ذلك سوف يجبر طهران إعطاء امتيازات للصين وروسيا للتواجد في المياه الخليجية أو سواحلها الممتدة من سواحل العراق شمالاً وحتی بحر عمان وشمال المحيط الهندي جنوباً . الآن ماذا حصل ؟ روسيا نفطياً في وسط المياه الخليجية وليست علی الساحل ؛ والصين اقتصادياً في ميناء جاسك المطل علی مدخل مضيق هرمز ؛ ولربما حلّت ضيفاً اقتصادياً علی جزيرتي كيش وقشم الإيرانيتين حسب اتفاقية التعاون الستراتيجية الموقعة بين البلدين بقيمة 280 مليار دولار . 
هنا يبرز السؤال ؛ هل هذه الخطوات تخدم المصلحة والسيادة الإيرانية  خصوصاً في ظل الشعار الذي ما تزال إيران تطرحه في "لاشرقية لاغربية" ؟ . في الستراتيجية ربما لا ؛ لكن في التكتيك نعم . لان إيران تحاول الحصول وتعزيز مصادر القوة لديها دون أن تتخلی عن ثوابتها . فهي الآن عضو في منظمة شنغهاي التي تؤهلها التعامل والتبادل الاقتصادي مع أعضاء هذه المنظمة التي تشكل نصف سكان البشرية . وهي أيضاً تقدمت بطلب الانضمام لمنظمة البريكس حيث تقود الصين وروسيا هاتين المنظمتين الاقتصاديتين اللتين تضمان اقتصاديات واعدة كالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا إضافة إلی عدة دول آسيوية غنية بالموارد الاقتصادية والبشرية كإيران . 
طهران تعتقد أن الولايات المتحدة والصين وروسيا دول كبيرة في المجتمع الدولي اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وتملك إمكانات هائلة ؛ وأهدافها مفصلة علی مقاساتها ؛ لكن تختلف في نظرتها للهيمنة علی مقاليد التطورات في العالم . 
إن الأزمة الأوكرانية اثبتت كيف تهيمن الولايات المتحدة علی القرار الدولي حتی وإن كان أمامها الاتحاد الأوروبي الذي يشكل الأعضاء فيه من دول العالم الأول وليس من العالم الثالث ! .
إن الأسرة الدولية سأمت من الهيمنة الاقتصادية والأمنية التي أخلّت بالمصداقية الأميركية التي يحاول الرئيس جو بايدن العودة لتحقيقها علی خلفية سلوك الرئيس السابق دونالد ترامب علی حد توصيفه ؛ لكن الحقيقة أنها ملوثة بسبب القرارات والمواقف غير الصائبة في جميع مناطق النزاع التي دخلتها والتي صارت جزءاً من ذاكرة شعوب هذه المناطق .