بغداد: حيدر فليح الربيعي
وعماد الأمارة
أسهمت الأزمة الروسيَّة الأوكرانيَّة، وما رافقها من ارتفاعات كبيرة في أسعار الطاقة والنقل، بزيادة واضحة في معدلات التضخم العالمي، لا سيما المواد الغذائيَّة، التي شهدت أسعارها طفرات كبيرة، الأمر الذي دفع العديد من المختصين بالشأن الاقتصادي الى التحذير من إمكانية أن تشهد مستويات التضخم في العراق نموا تصاعديَّاً خلال الفترات المقبلة، مؤكدين أن البلد يعد الأكثر تضرراً من أزمة التضخم العالمي بسبب نمطيَّة نظامه المالي (الريعي)، مشددين على ضرورة تحقيق أعلى فائدة اقتصاديَّة ممكنة من الوفرة الماليَّة المتحققة جراء ارتفاع اسعار البترول، خوفا من حصول “تراجع عالمي في الطلب”.
وشكل التضخم في العراق “عقبة” أمام مشاريع التنمية المستدامة، وأدى إلى تقويض القوة الشرائيَّة للفرد، حيث سجلت معدلاته ارتفاعات ملحوظة خلال الأشهر الماضية، متأثرا بالارتفاعات العالميَّة الحاصلة في مختلف أسعار السلع والبضائع الغذائيّة والتجاريّة.
مواجهة التضخم
ورغم الاختلالات الاقتصاديّة العديدة الناجمة عن التضخم، بيد أنَّ الخبير الاقتصادي، الدكتور علي هادي جودة، يرى أنّ “حالات التضخم والانكماش تتسبب في مشكلات اقتصاديّة محتملة وحرجة وتختلف من اقتصاد إلى آخر، مثل ارتفاع عبء خدمة الديون، وتراجع الإنفاق الحكومي، وفي نهاية المطاف معدلات بطالة أعلى”.
ولفت هادي، الى ان “العالم يعاني حالة تضخم متعددة الأسباب والمستويات، وفي الوقت نفسه التأثير يختلف من بلد إلى آخر بحسب ظروف كل دولة، غير أن جذر التضخم الأساس منذ 2020 يرجع إلى اختلال جانبي العرض والطلب السلعي سواء بسبب سلاسل الإمداد أو الأزمة الروسيّة الأوكرانيّة التي أثرت في الغذاء والطاقة، فضلا عن اختلال مستوى حجم العرض النقدي من الدولار داخل الاقتصاد الأميركي والناتج عن سياسات التسهيل الكمي المفرطة وما أعقبها من أثر انسحابي لرفع سعر الفائدة، وما تبعها من تأثيرات في الاقتصاد العالمي، ولا سيما في الدول الهشة اقتصاديا”.
وأوضح المتحدث “عدم وجود وصفة ملائمة تعالج التضخم والانكماش الحالي في كل الدول، لكن العودة إلى الأسس وفهم ميكانيكيّة الطلب الكلي لكل دولة على حدة ومعالجة اختلال كل عنصر بمزيج من السياسات الاقتصاديّة وغير الاقتصاديّة، تسهم في التعامل مع تلك الحالة”.
الأسعار العالميَّة
وأكد الخبير الاقتصادي، أن “معدلات التضخم في العراق أخذت بالارتفاع غير المستقر نتيجة لعد عوامل، أهمها فاتورة الواردات السلعيَّة التي ارتفعت عالميَّاً، وبالأخص الغذائيَّة منها، يضاف لذلك قرار الفدرالي الاميركي برفع نسبة الفائدة على الدولار والتي من المتوقع أن تصل بنهاية العام الحالي الى 100 نقطة مع ثبات الدخل العام للمواطن، من ثم تراجعت القوة الشرائيّة بنسبة توازي ارتفاع سلّة متطلباته الاستهلاكيّة مع تراجع دالة الانتاج المحلي التي زادت الطلب على الواردات الأجنبيّة لسد حاجة السوق”.
ونتيجة لكون العراق من البلدان الأكثر تضرراً من أزمة التضخم العالمي بسبب نمطيّة نظامه المالي (الريعي) والذي لم يرتقِ إلى الآن ليكون نظاما اقتصاديا متنوعا لمصادر الإيراد وحاوي لمستهدفات النمو الثلاث (الاستثمار- الانتاج- الاستهلاك)، حث الخبير هادي “الحكومة على استثمار الوفورات الماليَّة في خلق نمو داخلي عبر تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ذات الأثر الاقتصادي السريع والذي يقوّض من مساحة الفقر عبر فرص العمل التي ينتجها، ومن ثم فإن الدخول المتحققة للأسر التي تقبع تحت مستوى خط الفقر مع الصناعات الخفيفة التي تنتجها مشروعاتهم وبالخصوص الغذائيّة والاستهلاكيّة منها ستحيّد نسب التضخم.
الصدمات المزعزعة
بدوره، أشار عضو جمعيّة الاقتصاديين العراقيين، الباحث الاقتصادي مقدام الشيباني، الى أن “الاقتصاد العراقي يعاني من سلسلة الصدمات المزعزعة للاستقرار، فبعد المعاناة من آثار جائحة كورونا وانخافض أسعار النفط وقرار البنك المركزي بخفض قيمة (الدينار) أمام الدولار، الذي أدى الى زيادة معاناة الأسر، ألقت الحرب الروسيّة الأوكرانيّة وتداعياتها على أسواق السلع الأوليّة في العالم وسلاسل الامداد والتضخم وتفاقم تباطؤ النمو العالمي، بظلاله على العراق بسبب الاعتماد بشكل شبه كلي على الاستيراد، لا سيما المواد الغذائيّة والزراعيّة.
أسعار النفط
وأوضح الشيباني، أنّه وعلى الرغم من “توقعات تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وخصوصا بعد إعلان البنك الفيدرالي الاميركي رفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم، فإنّ ذلك يمكن أن يؤثر بشكل آخر على العراق نتيجة انخاض مستويات الانفاق العالمي، عبر تراجع الطلب على النفط وانخفاض أسعاره، مما يؤدي الى تباطؤ النمو في البلاد، وارتفاع مستوى البطالة”.
وحذر الباحث الشيباني، من مخاطر أخرى يمكن ان تفاقم نسب التضخم في العراق، مبينا أن “تغيير المناخ وجفاف معظم الأراضي الزراعيّة وتراجع إطلاقات المياه أثر بشكل كبير على نسبة الأراضي الزراعيّة، مؤكدا أن ذلك الأمر يمكن أن يؤدي الى “انعدام الأمن الغذائي في العراق”.