د . صادق كاظم
لم تكن ولن تكون جريمة قصف مجمع باراخ السياحي في محافظة دهوك الاخيرة، خصوصا أن القوات التركية قد اعتادت ومنذ العام 2003 على شن هجمات جوية ومدفعية، تصاحبها في بعض الاحيان عمليات توغل بري ولمسافات بعيدة في عمق الاراضي العراقية، بذريعة ملاحقة مقاتلي عناصر حزب العمال الكردستاني.
هذا التوغل وهذه الاختراقات تصاحبها دائما تنديدات حكومية ورسمية باهتة وغير مؤثرة، وهو امر استغلته انقرة لتنفيذ سياساتها في العراق، بل أن هناك قاعدة تركية دائمة منذ سنوات في قضاء بعشيقة وعلى أراضي محافظة نينوى لم تحتج عليه الحكومة العراقية يوما او حتى في فتح هذا الملف مع الاتراك.
الاتراك يعلمون جيدا أن قضية تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني على الاراضي العراقية مرتبط بالصراع المفتوح بين الحكومة التركية، وهذا الحزب الذي يقاتل من أجل حصول الأقلية الكردية على حقوق سياسة ودستورية، ليس مسموحا للاكراد في تركيا بالاقتراب منها وهذا الصراع دفع الى ظهور هذا الحزب برعاية روسية في البداية ودعم سوري، وانتهى بتطور هذا الصراع الى حرب مستمرة بات العراق وسوريا مسرحا له، وهو صراع يستفيد منه الطرفان المتحاربان للتوسع والسيطرة على المناطق في كل من العراق وسوريا، ففي العراق يقيم الحزب قواعد له في داخل الشريط الدودي مع تركيا، وهناك مناطق قريبة من الحدود السورية يقيم فيها الحزب قواعد له فيها، وهذا كله يتم بدون موافقة الحكومة العراقية وعلمها، وهو بمثابة اعتداء سافر على السيادة العراقية، حين يتخذ الحزب مناطق عراقية قواعد لأنشطته ومسلحيه، وهو امر تعلم انقرة جيدا ان الحكومة العراقية ليس بامكانها مواجهة الحزب لمنعه من ذلك لحسابات سياسية وامنية معقدة لا تسمح لها في هذا الظرف الراهن ان تمنع انشطة المسلحين الاتراك على اراضيها، إضافة إلى أن استغلال انقرة لهذا التواجد لاحتلال مناطق عراقية والسيطرة عليها وقصف المناطق الحدودية، لهذا السبب امر غير مبرر والحل الوحيد في غلق ملف هذا النزاع وايجاد حل سلمي له، خصوصا أن تركيا تعاني عسكريا وامنيا من هذا الصراع الذي يستنزفها .
تركيا التي حققت نجاحات مؤخرا في المواجهة مع الحزب على الارض السورية حين نجحت في تشكيل جيوش من المرتزقة موالية لها تقوم بمقاتلة القوات الكردية بالنيابة عنها وبدعم لوجستي منها، إذ إنها تستفيد من الوضع السوري لصالحها وبالاتفاق مع اللاعبين الكبار على الارض السورية، اضافة الى أن الحزب يسيطر وبدعم امريكي على معظم حقول النفط والغاز السورية ويستخدمها لتمويل
انشطته .
العراق لا يملك القوة العسكرية الكافية والمؤثرة التي تستطيع منع الاتراك من مواصلة اعتداءاتهم، خصوصا وان مناطق النزاع تقع ضمن سلطة اقليم كردستان الذي لا يرغب هو الاخر باثارة نزاع مسلح مع الاكراد بحكم الفارق في القوة والامكانيات بين الطرفين .
إن القبول بالاعتداءات التركية والتزام الصمت والاكتفاء بعبارات الادانة ليس حلا لهذه الازمة التي سيتبقى مفتوحة وتخدم طرفي النزاع في انتهاك حرمة وسيادة الاراضي العراقية، والحل يكمن في نقل الصراع إلى أروقة مجلس الامن الدولي أولا، وثانيا الدخول في مفاوضات مع طرفي النزاع لاقامة ترتيبات امنية تمنع استغلال الاراضي العراقية كساحة قتال بين طرفين ليس للعراق دخل به، مع نقل قوات عسكرية عراقية كبيرة ومتخصصة بمعارك الجبال الى الشريط الحدودي، لمراقبة المنطقة ولمنع حصول اية انتهاكات او انشطة تضر بأمن العراق وسلامة شعبه واراضيه.