الكوميديا.. الحصان الرابح

منصة 2022/07/25
...

 عفاف مطر
قالب حلوى في الوجه، ضحكات في مشهد عزاء، تزحلق رجل ضخم بقشرة موز، صوت رقيق من رجلٍ قاسي الملامح، كلها وصفات سريعة وسهلة ما زال نجاحها مضموناً في إثارة الضحك رغم بدائيتها وبساطتها. هل وجدت هذه الوصفات البسيطة مقاومة وطرقاً مبتكرة لإثارة ضحك الجمهور؟ نعم وجدت مقاومة لكن بعضها أصاب وبعضها خاب. الموضوع يعيدنا لبداية السينما حين استعانت السينما بلاعبي السيرك لأداء حركات بهلوانيَّة في أفلامها، فكان لاعبو الأكروبات والبهلوانات والمهرجون نجوماً على الشاشة الفضيَّة.
 
وحتى مع تطور الكوميديا ظلت السينما محتفظة بحبل الود مع السيرك لكنْ مع تطورها هي الأخرى، كما في أفلام لورال وهاردي.
شارلي شابلن أوصل الكوميديا لمرحلة متطورة جداً حين استعمل الكوميديا وسيلة للتعبير عن الهموم والقضايا الإنسانيَّة والاجتماعيَّة، فهو لم يتخل عن الحركات البهلوانيَّة والمقالب الكوميديَّة بل وضعها في سياق قصة اجتماعيَّة جعل عمر أفلامه 
أطول. 
شخصية المتشرد التي لعبها شابلن في كل أفلامه أكسبته نجاحاً أسطورياً، إذ كان شابلن أول ممثل عالمي في تاريخ السينما ويستقبله آلاف المعجبين في كل عواصم العالم وكان أول كوميديان توضع صورته على غلاف مجلة التايم الأميركيَّة. شابلن دفع ثمن الكوميديا غالياً حين تمت محاصرة مشاريعه وإبعاده عن الولايات المتحدة الأميركيَّة واتهامه بأنه شيوعيٌّ مع اشتداد حركة الماكاثيَّة، ولكنْ وبالرغم مما حصل إلا أنَّ تجربته بقيت حاضرة بعد أنْ غيرتْ شكل ومضمون الكوميديا الى الأبد، وظلت تجربته مستحوذة على فن الكوميديا الى أنْ جاء أحد تلامذته (وودي ألن) الذي حقق نقلة نوعيَّة للكوميديا حين تخلص من الاعتماد على الحركات البهلوانيَّة وقدم خلطته الخاصة التي تعتمد على الحوار الذكي الساخر، فضلاً عن البناء الجيد للشخصية، واعتمد على الروايات والأفلام القديمة وقصص الحب الناجحة والفاشلة، وكما خرج ألن من عباءة شابلن نجح من أتى بعده من الخروج من عباءته هو الآخر.
ومع تراكم التجارب السينمائيَّة ظهرت الكوميديا الرومانسيَّة كما في فيلم (إمرأة جميلة) بطولة جوليا روبرتس وريتشارد جيير، وظلت تتطور حتى وصلت الى كوميديا الموقف البعيدة عن الاعتماد على الأداء المضحك، ففي كوميديا الموقف يستطيع أغلب الممثلين أنْ ينجحوا في إضحاك الجمهور حتى وإنْ لم يكونوا كوميديانات.
ظلت السينما الكوميدية هكذا حتى ظهر ممثلون ذوو قدرات خاصَّة أعادونا الى مرحلة البدايات مثل جيم كيري، الذي اعتمد على الأداء والموقف في آنٍ واحدٍ الى أنْ قرر في لحظة ما التمرد على نفسه وإخراج قدراته كممثل.
تميزت السينما العربيَّة إضافة الى أنها قدمت أسماءً عظيمة بتقديم عبارات يرددها الناس الى يومنا هذا (الأفيه)، مثل عبارة القصري (أنا كلمتي مش ممكن تنزل الأرض أبداً) في فيلم ابن حميدو للراحل إسماعيل ياسين، وعبارة ماري منيب الشهيرة (اسأليني أنا مدوباهم اتنين) وأسماء أخرى كبيرة مثل بشارة واكيم وزينات صدقي وعبد السلام النابلسي لكنْ من بين كل هذه الأسماء يظل اسم إسماعيل ياسين هو الأكبر والأهم على المستويين حين كان سنيداً لبطل الفيلم وحين كان هو نفسه بطل الفيلم، وبمناسبة الحديث عن سنيد البطل الذي يعدُّ أحياناً أهم أسباب نجاح البطل والفيلم معاً.
كما فعل إسماعيل ياسين فعل مثله الفنان الراحل حسن حسني الذي ساند وقدم كل نجوم مصر الحاليين تقريباً. ساند حسن حسني علاء ولي الدين في أول فيلم من بطولته وهو فيلم (عبود على الحدود) ومع أحمد السقا في أول بطولة له في فيلم (أفريكانو)، ومع هاني رمزي في فيلم (جواز بقرار جمهوري) ومع محمد سعد في (اللمبي) ومع أحمد حلمي في (ميدو مشاكل) وغيرها كثير، وهذا ما تميزت به السينما العربية حيث كان سنيد البطل أهم من البطل نفسه في أحيانٍ كثيرة.
في السنوات العشرین الأخیرة احتلت الأفلام الكومیدیَّة المركز الثاني في قائمة الإنتاج العالمي، یعني من بین كل 10 أفلام تم إنتاجها في العالم في أي مكان أو زمان هناك ثلاثة على الأقل كومیدیَّة. في قائمة الإیرادات تأتي الكومیدیا في المركز الثاني بعد أفلام الأكشن والمغامرات لتكون دائماً الحصان الرابح في شباك 
التذاكر.