علي لفتة سعيد
لا يدعم الاستقرار من دون وجود مقدمات كبرى. ولا يأتي الاستقرار من دون أن تسبقه فوضى او ارتباك سياسي او حتى حروب أهلية ليستقيم معنى كلمة الاستقرار، التي لا تقف عند حدود معينة كمصطلح عام كونه يتناسل أو يتجزأ إلى عدة اتجاهات، بما فيها الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.. وكلها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاستقرار العام للدولة..
وهذا الاستقرار منوط مهمة الإشارة إليه حين تكون الدولة قابلة للدخول في مرحلة الاستقرار بعد الفوضى او المعوقات او اية تسمية
اخرى.
ولهذا فان لا معنى دون وجود الاستقرار.. ولا معنى لسيطرة القانون دون وجود الاستقرار بل لا معنى للدولة دون وجود الاستقرار المتنوع الذي يفضي إلى أهمية تحيق الفائض الإنتاجي لكي يكون المجتمع برمته يعيش حالة من الرفاهية التي ترتبط ارتباطا وثقيا بالاستقرار.
ولهذا فإن غياب الاستقرار يعني غياب كل مقومات الدولة التي تبدا وتنتهي بالإنسان، الذي يعد الفاعل الاساس لديمومة الاستقرار وبالتالي المشاركة في الانتاج المتنوّع الذي يدخل في كل ما تمَّ ذكره من اجتماعي وسياسي واقتصادي وحتى ديني.
إن المجتمعات التي تشهد صراعات متتالية لتصبح متراكمة طوال عقود فإنها مجتمعات غير مستقرة تسبب الكثير من المشكلات من أهمها ضياع الإنسان ذاته، فضلا عن تهديم كل البنى المتصلة به وبالتالي العيش في حالة من السلبية إزاء كل مقومات العمل
للوصول إلى الاستقرار، وأهم ما يعتمد عليه الاستقرار هو البناء العقلي للإنسان، ولهذا فان مقومات الفوضى تعتمد اعتمادا كليا على الاستفادة من فوضى العقل من أجل إدامة الغاية التي تقوم بها جهات الفوضى، وبالتالي فإن بناء الدولة لن يكون سهلا لان الجميع في حالة اغراق بكيفية إدامة صناعة الفعل الخاص على حساب الفعل العام الذي يوصل إلى بناء الدولة.
إن فوضى العقل واحدة من أهم مرتكزات ضياع الثقة بين الحكم والمؤسّسات الحكومية التي تنتج الدولة، وبالتالي فان تهشيم هذه الثقة يعني تهشيم الأواصر، وهو ما يؤدي إلى عدم وجود الاستقرار الذي يصل إلى حد التحارب وانتشار السلاح.. فالاستقرار كمعنى عام هو أن {لا تؤدي عمليات الادارة والممارسات الوظيفية للسلطة السياسية إلى إحداث اضطرابات تسهم في تغيرات سياسية وجوهرية في البنية الهيكلية للمجتمع تنعكس على استقراره وأمنه الداخلي وقوة تضامنه وتماسكه الاجتماعي}، وعليه فإن الدولة كل تفاصيلها التي تبحث عن الاستقرار عليها ان تعمل على صناعة الثقة وإعادة الأواصر من خلال تفعيل القانون من جهة وهذا التفعيل لا يأتي أكله، إذا لم يكن هناك تفعيل للجانب الخدماتي والذي لا يأتي إلا من خلال تفعيل الجانب الاقتصادي والذي لا يأتي إلا من خلال المساواة في حركة البناء والاعمار، التي تتطلب وجود عجلة الانتاج الصناعي والزراعي، والتي لا تأتي إلا بغياب السلاح وانتزاع مفهوم السلطة من كونه زعامة إلى حكم والحكم لا يأتي إلا من هلال تفعيل مفهوم الديمقراطية، التي تذوب تحتها كل المفاهيم الاخرى أو تذويب القرارات المتعددة، لتكون نابعة من الحكومة وما يتصل بها بعيدا عن المسميات الأخرى مهما كانت، بهدف الوصول إلى لب العمل الذي يؤدي إلى مفهوم الاستقرار، وهو السلام الذي بغيابه تغيب كل ما تمَّ ذكره والسلام متصل بالسلام السياسي، لأن الواقع الذي تمر به اية دولة هو واقع سياسي مهما كان شكل الحكم في هذه الدولة او تلك.. اشتراكيا ام رأسماليا علمانيا ام دينيا.. فكلها تؤدي إلى مفهوم الحكم الذي يعني ممارسة
السياسة.
وحتى يكون الاستقرار نافعا وقويا ومستمرا ودائما، فإن هذه المفاهيم المتصلة لا تكتمل ايضا إلا بوجود قوة الدولة والدولة القوية، التي تعني عدم المساس بوحدتها وعدم القبول بالتدخل في الشأن الداخلي.
فحين تكون الدولة قوية داخليا، لا بد من قوتها خارجيا والعكس صحيح.. حينها يكون مفهوم الاستقرار قد تحول إلى مفهوم وعي يشارك الجميع فيه.