محمد شريف أبو ميسم
في العام 2007 كتبت مقالا في إحدى الصحف المحليَّة دعوتُ فيه الى الكف عن تعليق الأمنيات على فكرة قدوم الاستثمار الأجنبي من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني، وتقديم التسهيلات للاستثمارات المحليَّة لتأخذ دورها في بيئة الاستثمار المتاح وتكثيف الجهود لدعم القطاع الخاص الوطني بما يؤسس لوجود رساميل محليّة وطنيّة قادرة على مجارات الرساميل الأجنبيّة في
ما بعد.
وربطت دعوتي هذه بمبررات موضوعيّة لها علاقة بالأحداث التي كانت تشهدها البلاد آنذاك والتي جعلت من بيئتنا الاستثماريّة الواعدة بيئة طاردة جراء التداعيات السياسيّة والأمنيّة في ذلك الوقت بجانب عدم وجود نظام مصرفي مؤهل لاستيعاب حركة الرساميل بشكل يتناسب مع الصناعة المصرفيّة العالميّة، وغياب التشريعات وعدم اكتمال البنية القانونيّة مع ضعف المنظومة الرقابيّة والترهّل في الحلقات الإداريّة وسوء الأداء الوظيفي الناجم عن موروثات الدولة الشموليَّة.
وفي حينها اتهمت بمعاداة فكرة الاستثمار الأجنبي على خلفيَّة إيماني بأهمية بقاء دور الدولة في مشهد اقتصاد السوق، وذلك لعدم قناعتي بعدالة توزيع الثروة واستحالة تحقيق العدالة الاجتماعية في نظام اقتصاد السوق الرأسمالي.
الآن وفي ظل التعثّر الواضح في عموم القطاعات، وعدم ولوج الاستثمار الأجنبي في القطاعات الحقيقيّة والقطاعات الساندة لها برغم تقديم كل التسهيلات، أليس الأجدر أن ننظر وبجدية لتجارب الاستثمار المحلي التي واجهت كل الصعوبات ونجحت في تقديم نفسها بوصفها مشاريع قادرة على المساهمة في التنمية الاقتصادية وتشغيل الأيدي العاملة، ثم نعيد النظر في رؤيتنا وتعريفنا لرأس المال الوطني القائم على نزاهة المصدر المالي ليتولى شؤون القطاعات الاقتصاديّة وملفات التنميّة.
ذلك عبر دعوة صادقة لرجال الأعمال والشركات الوطنيّة والجهات القادرة على المشاركة، لتشكيل ائتلافات ماليّة بدعم حكومي عبر تقديم جميع التسهيلات القانونيّة والماليّة والاقتصاديّة بدلا من اللجوء الى الدول الصديقة ورساميلها التي عادة ما تضع مصالحها فوق كل اعتبار في رؤيتها للاستثمار في البيئات الخارجيّة، أو أنّها تؤسس لولوج السياسة كما في تجارب العديد من الدول التي باتت مصائرها مرهونة بسلطة رأس المال الأجنبي، حتى ان انسحاب رأس المال هذا من بيئة الأعمال يعني انهيار الدولة، في ما يمكن للرساميل الوطنيّة بدعم حكومي أن تأخذ زمام المبادرة وتقود عملية التنمية سواء بالشراكة مع الرساميل الأجنبيّة أو بمفردها بما يؤمن للبلاد تنمية مستدامة بإشراف حكومي ويجعل البلاد والعباد بمأمن وسلام.