والحجة دائما تأمين الأمن القومي التركي

آراء 2022/07/27
...

 رزاق عداي
الحجة نفسها  تتكرر منذ حوالي أربعة عقود، وهي تأمين الأمن القومي التركي في صراع داخلي تركي-تركي ، تكون   الارض العراقية مسرحا  له تتصرف القوات العسكرية التركية خلاله بكل حرية وتحدٍ،  وفي غمرة النزاعات الاقليمية الاخيرة  يبدو أن تركيا تسعى إلى تحقيق ذات النهج في فرض ما تطلق عليه (المنطقة الآمنة) في شمال العراق، على غرار ما فعلته في شمال (سوريا) قبل سنوات قليلة، بالمبررات نفسها
 ولكن هنا في العراق بمعطيات تختلف، فالتوغلات التركية في الأراضي العراقية ليست جديدة، لكنها هذه المرة جاءت بزخم أكبر، وبقوة عسكرية غير مسبوقة من قبل، وبإصرار سياسي من قبل الحكومة التركية شديد، حتى أن سفيرها في بغداد الذي استدعي إلى مقر وزارة الخارجية العراقية، وسُلِّم مذكرة استنكار وادانة للاعتداءات، - لم يعتذر-، وهذا يتنافى مع أبسط القواعد الدبلوماسية.
في ايار 1983 أطلقت تركيا أول عملية عسكرية خارج حدودها في الاراضي العراقية، شارك فيها عدة آلاف من الجنود الاتراك، أما اليوم فإن عدد قواعدها المعلنة او الدائمة، أكثر من (20) قاعدة، اكبرها قاعدة (بامرني) شمال مدينة دهوك، وهي قاعدة لوجستية، فيها مطار، وهذا يؤكد أن الوجود التركي العسكري في العراق بات متوطناً، بواقع (10) آلاف جندي، والحجة دائما هي مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي، والحكومة التركية تردد دائما ان كل ما يجري هو وفقاً لاتفاق مع النظام السابق بخصوص دخول قواتها إلى مسافات محددة من الاراضي العراقية، ومع ذلك لم يبلغ هذا الاتفاق إلى مستوى الاتفاقية المسجلة والمودعة لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة.
ولغاية اليوم لم يتقدم العراق بشكوى رسمية للأمم المتحدة، ولمجلس الأمن ضد هذه التعديات، والسبب هو غياب التفاهم بين الإقليم والحكومة الاتحادية بشأن الوجود التركي، ليس هذا فحسب، وإنما في داخل الاقليم هناك وجهات نظر متقاطعة بشأن هذه المشكلة المعقدة، كما أن عناصر pkk  المصنفة كمنظمة إرهابية، انخرطت في تحالفات وتنافرات عراقية واقليمية، وكانت آخرها هي عقدة جبل (سنجار) التي تنبئ بانفجار أمني كبير، وفق تقاطعات لمصالح دول إقليمية ستراتيجية، ويظهر أن تركيا تعلم أن البرلمان العراقي لا يمكن له أن يحقق إجماعاً في هذا الوقت، لوجود اكثر من رأي تحت قبة البرلمان، وعليه فالمواجهة العسكرية مستبعدة مع تركيا في الوقت الراهن، ولم يتبق سوى اللجوء إلى القانون الدولي ورفع شكوى ضدها.
ما يمكن إجماله بشأن تركيا اليوم، انها ظهرت كقوة اقليمية كبيرة، تجاوزت حدودها في اكثر من مناسبة وقضية على مستوى المنطقة، فبعد نجاحات اقتصادية في الفترة ما بعد 2002 تحديدا، زاوجت تركيا فيها ما بين قاعدة اقتصادية متنامية تقارن على مستوى أوروبا، ودراية تكنولوجية، منتجة أنموذجا نيوليبرالياً، قائماً على التصنيع، وموجها للتصدير، كل هذا مع ممهدات ومقدمات تاريخية، جعلت لها حضورا قويا واقتحاميا، في أحداث الشرق الاوسط، تمثل في تمدد الارهاب في بلدان المنطقة، ومواقفها المشكك بها والمعبر عنها وعلى لسان احد موظفي  خارجيتها الاسبقين، إن في الشرق الاوسط هناك وليمة ذئاب، فلا بدّ ان حصة تركيا ستكون هي الأكبر.