سُلَّم الكرامة

آراء 2022/07/27
...

 د.عبد الخالق حسن
 
مع التحول الكبير في الوضع المعيشي للعراقيين والذي كان من ثمار التغيير الذي حدث في 2003، كانت الأسر العراقية تستبشر خيراً مع كل حالة توظيف لأحد أفرادها في الوظيفة العامة، كون الأمر يعني إضافة مالية تعوضها عن سنوات الحرمان، وكذلك تعني تأميناً لمستقبل هذا الفرد.
ولأنَّ منافذ العمل في القطاع الخاص تقوم في أغلبها على استغلال جهد العامل فيها، من دون أن يحصل على مقابل مالي يكافئ قيمة الجهد المبذول، لم يجد العراقيون ما يحفظ كرامتهم سوى العمل في القطاع الحكومي.
وجميعنا يعرف أن هذا القطاع تقوم عملية تنظيمه على سلم الرواتب الذي يتسلسل في صعوده الموظف حتى بلوغه سن التقاعد.
صحيح أن عملية التوظيف باتت تستهلك موارد مالية كبيرة من الدولة، لكن مسؤولية الأمر أيضاً تتحملها الدولة التي لم تؤمن اقتصاداً تنافسيا يجد فيه المواطن فرصاً لضمان حياة كريمة، بل التنافس مقتصر على اصحاب رؤوس الأموال الذين يمنحون الفتات من المال للعاملين عندهم.
اليوم، وسابقاً أيضاً، تتكرر نغمة خفض الرواتب وحرمان بعض الفئات من امتيازات حصلوا عليها نظير شهاداتهم أو سنوات خدمتهم.
وهذا الموضوع بات يؤرق الكثير ممن يعتمدون على المرتب الحكومي، لأن حياتهم مرتبطة بكل تفاصيلها بهذا المرتب، بما قد تسبب في نقمة واستياء الذين قد يقع عليهم الحيف من خطوة تقليل المرتبات.
ولو أن الدولة متكفلة بمسؤوليتها الحقيقية في تأمين سكن لائق وضمان صحي وخدمات مستمرة، لما اعترض المعترضون، لكن مع غياب الدولة عن كل مسؤولياتها، نجد هناك من يتحدث عن عملية مساواة ورفع حيف عن بعض الفئات في سلم الرواتب، وهذا المنطق من العدالة يشبه حالة من يريد إنصاف مجموعة من فاقدي البصر، فيأتي للمبصرين ويجعلهم عمياناً أيضا تحقيقا للعدالة.
إن خطوة مثل هذه ستتسبب بهجرة جماعية لبعض الفئات، ومنها اساتذة الجامعات الذين يمثلون نقطة ارتكاز اساسية في كل الدول التي تبحث عن التطور.
فكثير من هؤلاء الاساتذة لا يمتلكون اليوم بيوتاً للسكن، وأتحدث هنا مثلا عن تجربتي كوني أستاذاً في جامعة بغداد. 
فهذه الجامعة لم تشهد توزيعاً لقطع الأراضي بين منتسبيها منذ سنة 1996.
ومع وجود قطعة أرض خاصة بهم، لكن هناك من يمنع حصولهم عليها من أعلى سلطة في الوزارة ولغايات غير معروفة.
لهذا فإن أغلب اساتذة جامعة بغداد اليوم يسكنون في بيوت مؤجرة.
ولنا أن نتخيل ما الذي سيحدث لهم حين يفقدون جزءاً كبيراً من رواتبهم، بذريعة توحيد السلم الوظيفي.
وهذا الامر ينطبق ايضاً على الكثير من الموظفين في وزارات ومؤسسات أخرى.
لهذا، لا بد من أن تعي الحكومة ومجلس النواب، أن السلم الوظيفي هو سلم الكرامة للموظفين، وأن التلاعب به تحت أي ذريعة يعني هدراً لكرامتهم.