قاسم موزان
بدءاً لا بد من القول إن تشرد الفرد ليس خياراً للذات الإنسانية لتخسر كينونتها في متاهات لا نهائية وتستقر في قاع الضياع والتشرذم وفقدان الهوية، إنه نتيجة لتراكمات نفسية حادة جراء الفقر أو البطالة أو التمييز العرقي أو العنف المرتبط بقساوة المعيشة أو الإعاقات الذهنية والجسدية أو ربما يمارسه الإنسان تمرداً على واقعه المتخم بالإهمال المتعمد في مشهدية مؤلمة حين يتوسد المتشرد الأرصفة والأزقة بين أكداس النفايات وفضلات المطاعم، ولا يجد ما يسد رمقه من الطعام وتنغلق أمامه أبواب الرحمة الإنسانية، والسائد هو التعاطف المجتمعي السلبي غير المجدي و كيل اللوم للدول التي غالباً لا تنتهج سياسات فاعلة لمواجهة الظاهرة المتصاعدة بوصفها الأكثر تحدياً في صدق توجهاتها وفي الوقت نفسه تشكل إساءة بالغة لمواطنيها الذين تعرضوا قسراً للتشرد ولم تحترم تلك الدول تواقيعها على الوثيقة الأممية لحقوق الإنسان الأساسية التي تؤكد أحقية الفرد في الحياة الحرة الكريمة وفي خلق فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية والسكن اللائق وتوزيع منصف للثروة ولكن كانت التواقيع على الوثيقة كأنها إسقاط فرض من الدول لتبدو الحصن المنيع لحقوق شعوبها وتقف بقوة ضد اهتزازات محتملة تضر بوجودها.
إن عدم الجدية يعني إخلالاً في موازين المنظومة الأخلاقية، وما نراه اليوم في مرحلة التغيير بالعراق عن المشردين صور مستنسخة لا تقل بشاعة عما قبلها وربما زادت حدة وقسوة أمام ثراء فاحش وتسيد غير مسبوق للفساد المالي في مرافق الدولة بحيث أصبح النظر لمثل هذه الحالات هامشياً وبات لا يلامس الضمير الإنساني الذي أصابه تحجر وانغلاق تام
للعاطفة.
فالحلول أمام الدولة كثيرة ومتاحة للحيلولة دون استشراء الظاهرة و في مقدمتها إنشاء دور إيواء للمشردين مزودة بمستلزمات الحياة مع توفير الرعاية الصحية ودورات في التثقيف والتوعية لإعادة دمجهم في المجتمع وإزالة الصورة النمطية عن أذهان الناس، من عدم فائدة وجودهم في الحياة، والسماح للمنظمات المدنية بتقديم الدعم النفسي والمالي والإرشادي والتعليمي وتحرير مواهبهم المخبوءة من مكامنها، فهي دون شك موجودة وتحتاج إلى من يفجرها في دواخلهم .. نأمل التغيير.