سعد صاحب
حتى في تأليف النص الغنائي، رياض النعماني يكتب بطريقة حداثوية، غير خاضعة للشروط المسبقة و الأساليب القديمة، المتكونة من مذهب و(كوبليهات) ومقاصير ورجوع إلى القافية، هو يتقاطع معها بعلم وقصد وإصرار، وثقافة شعرية وموسيقية تؤهله لذلك، ويكتفي بالإصغاء إلى إيقاعات روحه الداخلية، والاستجابة لها بفنية عالية، فيأمره الالهام بكتابة المقاطع المنفصلة، وأحياناً يعود إلى المقطع الأول بحسب الضرورة.
عيون
من العيون يستمد الشعراء إلهامهم، فهي تبث الألحان والكلمات والجنون والمحبة، والحب ينبع منها على هيئة أنغام موسيقية ولوحات تشكيلية وقصائد، ورقص دائري على دفوف درويش طويل الضفائر، وإن الحياة بأسرها تسكن فيها باسترخاء تام، وهي تتكلم بلا لسان وتغني بلا حنجرة، وسحرها الجذاب يقود القلب الخالي إلى الاشتعال، فكيف إذا كانت بساتين البنفسج تغفو على ضفافها الناعمة؟ والحمام يطير بالشعر المتناثر في الهواء، وكأنه شلالات من الضوء والفتنة والمياه، تنثر على وجوه العابرين الرذاذ في يوم حار. ( بساتين البنفسج غفت بعيونج/ وطاير بالشعر سرب الحمام ).
مجنون
الحبيب روض من أزهار الجنة اليانعة، وأسطورة للجمال الآسر، يصاب بالذهول كل من رأى طلعة الوجه البسيم، وبلغ حضرة المحبوب المفدى، وهذا لا يتم إلا بالصلاة والدعاء والنذور، وبينما نحن في قمة اليأس، قرعت الكنيسة أجراس البشارة والشكر والغفران والوصال، سكرنا بنور المحيا المشرق في ظلام الليالي الحالكة، والعاشق مجنون يتطوح في الدروب ثملاً، من خمرة العشق المعتقة في دير رهبان قديم. (أنه مجنون وخذاني الهوى واطوح غرام ).
صبوات
المنائر والتكايا والكنائس والمندي والعبادات والأسرار العظيمة، كلها هناك في الوطن البعيد، والعراق ينام تحت جناح الملاك الطاهر، وفي عيون الدرويشة المجذوبة المعتزلة في كهف داخل الجبال، وحدها تعبد الإله ما بين الربايا، منزهة من الغرور والتكبر والكذب والرياء، والشاعر مجنون هائم في بوادي الصبوات، وإن عينيك الجميلتين تشعل بين العشاق، نيران الغيرة والحسد والمنافسة، والكثير من الثورات والمعارك والملاحم. (أنه شوكي بالعراق / والعراق بعينج الحلوه ينام).
رمان
الرمان يأخذ من وجنتيك احمراره، والسرو يغار من عودك المستقيم، والبرتقال يلوذ هارباً من عطرك الفواح، وفي ليالي الغربة المدلهمة الطويلة الظلام، يطلع القمر الساحر من عينيك، ويعلو في السماء المحتشدة بقطعان الغيوم، والعيون القزحية لها في
كل موسم لون خاص، تتباهى به أمام دوران الفصول والزمن، والشعر يضاهي الأنهار المتدفقة بطوله المسترسل البديع. (يورد الرمان وانتي وروده وخدوده الحمر / تتلملم الغربه ليالي طوال و عيونج كمر / لونهن يتغير ويا الوكت والحب والفصول / والشعر لوما يخاف الله وصل حد الحجول).
بيت
في شواطئ عيون الحبيبة الآمنة، يبصر دنيا من الصور المتألقة، ويشاهد البيت الذي تركه مجبرا وغادر صوب المنافي الباردة، تطل منه شمس بيضاء تناطر قدوم الراحلين من جهة الانقطاع، والعائد من رحلة دامية استغرقت أجمل السنوات، يتضمخ بالتراب والطين، ويقبل كل الأبواب ويصيح صيحة واحدة، فيستيقظ العالم على صوت عاشق مثبور، ويموت على عتبة باب من يهوى. (عيونج الحلوات دنيه وبشواطيهن اشوف البيت / والشميسه وسط البيت تنطر جية الغياب / أنه لو رديت ابوسن يا درب وابجي على يا باب ).
يا له من كلام إنساني عميق، يفيض بالحنين الجارف، إلى الماء والأرض والناس والعلاقات الاجتماعية الحميمة، المطرزة بالحب والتضحية والوفاء والإخلاص، إلى كل أم عراقية صامدة، رغم الجوع والعوز والمرض وشتى الظروف القاهرة، إلى كل نخلة مهجورة، تتطاول في الفضاء رغم العطش والجفاف والموت والإهمال، إلى نهر الفرات الطافح بمياهه العذبة الصافية، إلى كل شيء لا يتكرر
ولا يعود. (يا ماي الفرات / طعمك بكلبي حنين وعشرة احباب / اهي عشرة عمر يا ماي موش ايام ).
أنغام
أغنية لحنها وغناها الفنان المبدع كوكب حمزة، وكانت أنغام عوده النابعة من وجدان حزين، تتسابق مع الكلمات في التعبير، عن جمال المرأة، والشوق العارم إلى الأهل والأصدقاء والجيران، وعن الغربة وارهاصاتها الموجعة، وربما الغناء المنفرد على آلة العود، كان من التجارب المميزة لرواد الجيل السبعيني.