صناعة الطابوق

اقتصادية 2022/07/28
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
تمثل الصناعة بنحو عام مرتكزا تنمويَّاً مهمّاً، في كل البلدان، والجميع يسعى إلى تطوير صناعته بنحو يجعله قادرا على تلبية متطلبات سوقه أولا، والتصدير ثانيا، كما أن البلدان الصناعيّة، تكون ذات قوة دوليّة، تجعلها قادرة على تحقيق المزيد من المكاسب الاقتصاديّة والسياسيّة في آن واحد. والصناعة في العراق، شهدت الكثير من المخاضات والمنعطفات الحادة، جعلتها تتراجع الى مراتب متأخرة ضمن مساهمة باقي القطاعات في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، وعلى الرغم من التدهور الذي لحق بالصناعة العراقيّة على مدى عقود من الزمن، إلّا أنّ صناعة الطابوق، مازالت تحافظ على وجودها الفاعل في المشهد التنموي، بل لعلها الأكثر بروزا والأكثر نشاطا في هذا المشهد، ويعود سبب هذا الوجود الدائم الى عاملين اثنين، الاول يرتبط بتاريخ صناعة الطابوق في العراق، اذ تشير الدراسات الى ان العراقيين القدماء كانوا من اوائل الشعوب التي اكتشفت هذه الصناعة الحيوية، واستخدموها في بناء القصور والمعابد والبيوت، من خلال ما كان يُعرف بـ “الكورة” التي تمثل مصنعا بسيطا لانتاج الطابوق، ولكنها كانت مهمة، أما العامل الثاني، فذو صلة بطبيعة حياة العراقيين التي تتسم بالاستقرار، والبحث عن الدعة والرفاهيّة، فكانوا يميلون الى تشييد البيوت ذات الفخامة، لا سيما الأغنياء منهم، ومن ثم كانوا يبحثون عن مواد البناء الجيدة، وفي مقدمتها الطابوق او “اللِبِن” في أضعف تقدير. وراهنا مازالت صناعة الطابوق تتمتع بمساحة جيدة بالمقارنة مع باقي الصناعات الانشائيّة، ويعد هذا القطاع، من بين القطاعات الأكثر تشغيلا للأيدي العاملة، كما أنَّ نوعيّة الطابوق العراقي، تعد من أفضل الأنواع المنتجة على مستوى دول المنطقة، وذلك بسبب نقاوته من الأملاح، ومواءمته لظروف المناخ، لا سيما في ما يتعلق بارتفاع درجات الحرارة، ولكن رغم هذه الأهمية ما زالت، هذه الصناعة الحيويّة تواجه الكثير من المشكلات والتحديات، ومازالت بحاجة الى المزيد من الدعم والتمكين، لتكون قادرة على تلبية الطلب المحلي المتزايد، الناتج عن تنامي حركة الانشاءات، مع وجود تسهيلات مصرفيّة أسهمت في زيادة هذه الحركة، والحديث هنا يخص معامل إنتاج الطابوق المنضوية تحت نشاط القطاع الخاص، التي تشكل المساحة الأكبر في الانتاج،  ومن بين التحديات التي تواجهها صناعة الطابوق، هي توفير الوقود من مادة النفط الأسود، بأسعار مدعومة من قبل وزارة النفط، ودائما ما نسمع شكوى أصحاب المعامل من ارتفاع الأسعار، وأحيانا شح التجهيز، الأمر الذي يضطرهم الى الشراء من السوق المحلية، بأسعار عالية، وهذا الذي يدفعهم الى رفع الأسعار، التي شهدت ارتفاعا خلال السنتين الأخيرتين، بنسبة وصلت الى أكثر من
30 %، متأثرة بالظروف العالميّة والداخليّة، ومن جانب آخر فإن الكثير من معامل انتاج الطابوق، غير متوافرة على الشروط البيئيّة، فتسبب تلوثا كبيرا، نتيجة الانبعاثات الغازية وغيرها، ما يستدعي متابعتها من قبل الجهات ذات العلاقة، ومساعدة أصحابها في تطبيق تلك المعايير، ليس هذا وحسب، إنما ينبغي أن يصار الى تخصيص مناطق صناعية تحتوي مثل هذه المعامل، التي يجب ان تكون بعيدة عن مراكز المدن، وتتوافر على المتطلبات الأساسية لكي تكون صديقة للبيئة، وان تكون مخدومة بطرق جيدة ومزوّدة بالتيار الكهربائي، وغير ذلك، من دون أن ننسى ضرورة إلزام أصحاب المعامل، ضمان حقوق العاملين فيها من النساء والرجال، الذين مابرحوا يشكون من عدم وجود ضمانات صحيّة أو ماليّة تمكّنهم من الاستمرار في هذه الصناعة، التي تعد من الأعمال الشاقة، وفيها الكثير من المحاذير التي تؤثر بنحو مباشر على حياة الإنسان.