تاريخٌ ممتعٌ لرموز عيد الميلاد المجيد

بانوراما 2022/12/28
...

  تينا دونفيتا   

  ترجمة: مي اسماعيل 


اعتاد المحتفلون على وجود عدد من التقاليد والتجهيزات الخاصة بعيد الميلاد المجيد؛ ولكن كيف أصبحت الأشجار ورجل الثلج والنجوم اللامعة رموزا واضحة للأعياد يتعرّف عليها الجميع؛ محبوبة لدى الأسر؟ لا شيء يُعبّر عن الاحتفال بالعيد مثلما تفعل الشجرة المزينة بالأضواء وكعك العيد، ولن يكون الاحتفال احتفالا من دونها. ولكن هل تساءل البعض يوما من أين جاءت تلك الرموز بحيث صارت تقليدا راسخا، وما هو تاريخها؟ 

تعود جذور العديد من تلك الرموز أحيانا الى الأيام الاولى للاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وترتبط أحيانا بتقاليد اجتماعية كانت سائدة حينها. ومن أهم تلك الرموز: كعك العيد “Christmas cookies”، واذا كنا نعرف شيئا عن تاريخ الاحتفالات الشتويَّة بشكل خاص فهو أن الناس اعتادوا فيها على تناول أطعمة جيدة؛ حيث تُقبل المجتمعات على الولائم قبل أن تمنعهم برودة الجو عن ذلك. واستمرَّ هذا التقليد حتى القرون الوسطى ليشهد اضافة مهمة الى قائمة الطعام؛ وهي الحلوى. هنا يُحضّر الخبّازون مكونات ثمينة؛ مثل الزبدة والسمن والسكر، وبهارات نادرة تبعث على الدفء؛ مثل القرفة وجوزة الطيب؛ ليبتكروا أفضل ما لديهم.. ثم تنوعت تلك الابتكارات حتى بات لكل دولة ومنطقة تقريبا أنواعها المفضلة من الكعك، التي تُصنع على شكل شجرة العيد أو الجرس أو النجمة وغيرها. ولعل أشهرها: كعك رجل الزنجبيل “Gingerbread man”؛ الذي يُرجح انه وصل الى أوروبا من آسيا عبر التجارة في القرون الوسطى، لتمر بمراحل تحول عديدة. تقول الرواية ان ملكة بريطانيا اليزابيث الأولى أول من أمر بصنع ذلك الكعك على شكل انسان؛ لتقدمه لسفراء الدول الأجنبية في ولائمها الباذخة. ثم ارتبط بأعياد الميلاد لأنه يبعث على الدفء في ذروة الشتاء. لكن هناك انواعاً أخرى من الحلوى تُصنع من السكر المعقود والبيض والزبيب والبرتقال وغيرها، وتُقدم بشكل عصي أو كرات أو دمى. 


شجرة وأضواء

هل تساءلتم يوماً لماذا توضع أشجار العيد؟ أشجار التنوب دائمة الخضرة زينة شتوية عالمية، كان الناس يضعون أغصانا منها للتذكير ان الربيع سيعود مجددا، ووضعها الرومان في مبانيهم اعتزازا بفضل الزراعة. لكن أول استخدام لها خلال أعياد الميلاد كان إما في “تالين” (أستونيا) أو في “ريغا” (لاتفيا)، بحسب ما تذكر الرواية)، وتدّعي كل من المدينتين الأسبقية في الحدث. وبحلول القرن السادس عشر أدخل المسيحيون الألمان الشجرة الى منازلهم عنوانا للحياة المتجددة والمستمرة. وحينما تسرّبت أنباء عن إقامة الملكة فكتوريا وزوجها الألماني الأمير ألبرت لشجرة العيد في قصرهما، أصبح ذلك التقليد أولوية منتشرة في بريطانيا وأميركا. لعل عالم اللاهوت القس “مارتن لوثر” أول من وضع الأضواء على شجرة العيد في القرن السادس عشر. تقول الرواية إنه سار يوما وسط الغابة ليلا وتأثر بالنجوم الجميلة الساطعة من بين الأغصان. وحينما عاد لمنزله أعاد تمثيل ما رآه للأسرة؛ إذ وضع شموعا صغيرة مشتعلة على أغصان شجرة العيد. وفي أيامنا هذه يتفنن الصنّاع بتقديم أضواء الشجرة بتنوع وابتكار كبيرين.  ما لبث أن انتشر تقليد وضع إكليل عيد الميلاد، المصنوع من أغصان التنوب الطبيعيّة (التي يجري تقليمها من الشجرة الأصلية) والمزيّن بمواد طبيعيّة: زهور وجوز وعيدان القرفة ومخاريط الصنوبر، وبات مصاحبا لاحتفال عيد الميلاد. ويعود غالباً الى القرن السادس عشر. ويبدو أنَّ رمزيَّة الإكليل تسبق ذلك الزمان بكثير؛ إذ اعتاد الإغريق والرومان تتويج أبطال الرياضة الفائزين بأكاليل مصنوعة من أغصان الغار ومجدولة على شكل تاج. وترمز الدائرة المستمرة التي يُشكلها الإكليل، المصنوعة من أغصان أشجار دائمة الخضرة الى الوعد بمجيء الربيع بعد برد الشتاء. لكن إكليل عيد الميلاد يرتبط بتقويم تنازلي لعدد الأسابيع المتبقية حتى موعد ولادة السيد المسيح عليه السلام.

 

شموع ونجوم 

تمثل الشموع وضَوؤها الأمل والدفء وتجدد الميلاد خلال أكثر أيَّام الشتاء حلكة وبرودة. ومن ضمن تقاليد عيد الميلاد في اسكندنافيا تضع الفتيات على رؤوسهن أكاليل مضاءة بالشموع في يوم القديسة “لوسيا” (13 كانون الأول). وفي المكسيك تُضيء شموع موضوعة في أكياس ورقية الطرقات، ويحمل الشباب شموعا وهم سائرون؛ تمثيلا لإنارة طريق القديس “جوزيف” والسيدة العذراء في رحلتهما قبل ولادة السيد المسيح عليه السلام. أما النجمة فهي رمز آخر للعيد يوضع عادةً على قمة شجرة العيد، محاكاة للنجمة التي قادت الحكماء الثلاثة الى موقع ولادة السيد المسيح. لكن نجمة بيت لحم في الواقع كانت ظاهرة فلكية حقيقية؛ إذ كان كوكبا المشتري وزحل للعين المجردة مندمجين ككوكب واحد في ظاهرة تتكرر كل بضعة مئات من السنين، ضمن “تزامن كبير” وقع آخر مرة خلال شهر كانون الأول سنة 2020. ويرى بعض العلماء ان تراصف الكواكب هذا قد يكون ما رآه الحكماء الثلاثة عند ولادة السيد المسيح. 

أسطورة أم حل ذكي؟ 

كان أول ظهور موثّق لرجل الثلج عام 1380، لكن الإنسان صنع غالباً تماثيل ثلجيَّة طالما كان هناك ثلج. كانت رموز العيد تلك رائجة جداً خاصة في العصور الوسطى؛ حينما افتقد كثيرون الموارد المناسبة للتعبير الفني؛ فالتجأ الناس الى الثلج. وذات يوم جرى تكليف الفنان “مايكل أنجلو” ليصنع رجل ثلج لحاكم فلورنسا!  

تقول الأسطورة إنَّ القديس “نيكولاس” سمع يوما عن رجل فقير خاف أن تبقى بناته الثلاث بلا زواج؛ فبحث عن بيتهم ودخله ليلا عبر المدخنة. وجد نيكولاس جوارب الفتيات معلقة فوق الموقد لتجف؛ فملأها بدراهم ذهبية وعاد أدراجه. في الصباح التالي أدركت الفتيات أنه بات لديهن صداق للزواج. واليوم أصبحت الجوارب المعلقة فوق الموقد (وعليها اسماء أصحابها وصاحباتها) طريقة لتلقي الهدايا وأسلوبا للتزيين أيضا.  

وخلال حقبة الكساد الكبير في أميركا نشأ تقليد وضع الطعام (صحن كعك وكأس حليب) على المائدة ليلا عند ليلة العيد؛ ليعلّموا أولادهم أنّه رغم ضيق ذات اليد يجب على الانسان أن يُفكر بمصاعب الآخرين ويُظهر امتنانه على ما أنعم الله عليه في حياته. واليوم باتت هذه العطايا البسيطة مقدمة الى بابا نوئيل (القديس نيكولاس) الذي سيجلب الهدايا للأطفال.

أما الأجراس فلا تفتقر قط لموقع توضع فيه؛ سواء كانت أجراس الكنيسة أم الزلاجة أم الشجرة؛ فهي من المظاهر الأساسيّة لموسم الأعياد. ولكن، ما هي رمزيتها في عيد الميلاد؟ للأجراس تاريخ رمزي وعملي معا؛ إذ طالما جرى اعتبار قرع الجرس أسلوبا لطرد الأرواح الشريرة، وقرع جرس الكنيسة إيذانا ببدء مراسم الصلاة أو الاحداث المهمة. أما أجراس الزلاجة فتوضع لتنبيه المارة بقدوم وشيك لعربة مقبلة؛ حين لا يمكن سماع وقع حوافر الجياد على الثلج الطري. 


مجلة {ريدرز دايجست}