قراءة لموجة عالميَّة جديدة من محاولات الاغتيال

بانوراما 2023/01/02
...



  آدم تايلر 

  ترجمة: أنيس الصفار                                            

جاءت محاولة اغتيال الزعيم الباكستاني السابق عمران خان مؤخراً بعد أيام فقط من اقتحام متسلل مسكن رئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” في سان فرانسيسكو في محاولة فاشلة كما يعتقد المدعون العامون لإيذائها او اختطافها. قبل أسابيع من ذلك اقترب رجل من رئيسة الارجنتين السابقة “كرستينا فرنانديز دي كيرشنر” في بوينس آيرس وحاول إطلاق النار عليها في الوجه من مسافة قريبة.

وقع ذلك الهجوم في أعقاب عملية اغتيال رئيس الوزراء الياباني السابق “شنزو آبي” في تموز الماضي على يد رجل يحمل مسدساً محلي الصنع في مدينة نارا. مصرع آبي جاء هو ايضاً بعد عام واحد تقريباً من إقدام مسلحين على قتل رئيس هايتي “جوفينيل مويس” في مداهمة وقعت على منزله في بورتو برنس.


حقبة جديدة 

يقول الخبراء إن أعمال العنف البارزة هذه بمجملها تؤشر ما يمكن ان يكون حقبة جديدة من عدم الاستقرار على صعيد السياسة العالمية. موجة الهجمات الجديدة، التي تأتي بعد سنوات بقيت أخبار التفجيرات الإرهابيّة فيها مهيمنة على عناوين الأخبار، تذكرنا بأعوام الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي عندما تعرضت شخصيات أميركية مهمة مثل الرئيس “جون كندي” وزعيم الحقوق المدنية “مارتن لوثر كنغ جونيور” للاغتيال في لحظات تاريخيَّة مفصليَّة.

“لن تكون هناك نهاية أبداً لوجود أشخاص همهم اغتيال شخصيات عامة”. كما يقول “كولن بي كلارك” مدير البحث والسياسة في مجموعة “سوفان” وهي مؤسسة استشاريَّة للأمن والمخابرات. لكن كلارك يمضي أيضاً فيشير الى عوامل عديدة يمكن أن تؤدي الى زيادة محاولات الاغتيال من بينها تراجع نشاط التنظيمات الجهاديّة، في بعض أنحاء العالم على الأقل، التي تفضل اللجوء الى تكتيكات مختلفة.

حلَّ محل تلك التنظيمات، من وجهة نظر كلارك، صعود متطرفي أقصى اليمين الذين يتسمون أكثر كثيراً باللامركزيَّة. هنالك أيضاً ما يطلق عليه “إرهاب بوفيه السَلَطة” وذلك عندما تكون ثمة انتقائيَّة من قبل المنفذين في اختيار المنظورات المختلفة من الحوافز التي تحركهم لارتكاب هذا النوع من الأفعال.

تكشف بيانات مركز الارهاب العالمي التابع لجامعة مريلاند، التي تتضمن احصائيات السنوات الماضية لغاية العام 2020، ظهور تصاعد حاد منذ العام 2014 في محاولات الاغتيال الموجهة ضد شخصيات حكومية في جميع أنحاء العالم، وقد حافظت تلك المحاولات على ارتفاعها منذ ذلك الحين حتى بعد انحدار الهجمات الارهابيَّة نحو الانخفاض.

هذا التوجه ربما يكون غاب عن الانتباه في السنوات الأخيرة حيث تذكر “إيرين ميلر”، وهي مديرة برنامج في مركز الارهاب العالمي، ان معظم الهجمات قد استهدف مسؤولين حكوميين من المستويين المنخفض والمتوسط من دون القادة السياسيين البارزين مثل عمران خان وبيلوسي. تقول ميلر إن معظم الاحصائيات الأخيرة كانت تهيمن عليها الهجمات التي قادها المتمردون في افغانستان قبل استيلاء حركة طالبان على السلطة في العام 2021.

تظهر بيانات مركز الارهاب العالمي أن أواخر أعوام الثمانينيات من القرن الماضي كانت هي الأخرى فترة تصاعدت فيها عمليات الاغتيال تصاعداً حاداً. تقول ميلر إن الهجمات الارهابيّة، كالتفجيرات الانتحاريّة، التي غالباً ما تقتل بلا تمييز كانت أقل تكراراً في ذلك الحين. وتضيف: “استهداف القيادات السياسيَّة كان تكتيكاً يقصد منه جذب الانتباه الى قضية معينة بأقل ترويع للمدنيين، إلّا أن مرتكبي هذه الهجمات أخذوا يتبنون الستراتيجيتين معاً في السنوات الأخيرة، الاغتيالات الموجهة والحاق الخسائر الجماعيَّة”.

جزءٌ من هذا التحول قد يكون بنيويَّاً، كما يقول كلارك. فمع خسارة الجماعات من أمثال “داعش” المناطق التي كانت تحت سيطرتها ظهر تصاعد في أعمال العنف الذي يرتكبه أشخاص يعملون منفردين، وبعض هؤلاء تمكن التطرّف من تجنيدهم عبر الانترنت وتوجيههم نحو كره أشخاص معينين بالتحديد او استهدافهم من دون سواهم.

من الممكن أيضاً أن يكون ثمة منطق تكتيكي وراء هذا التحول بدرجة ما، فمحاولات اغتيال شخصيات معينة تسفر في كثير من الأحيان عن تغيرات سياسية مهمة. بعض الهجمات أحدثت تغييراً في مجرى التاريخ، ولو ان ذلك التغيير لم يكن دائماً بالاتجاه الذي أراده المنفذون، فمقتل الارشدوق “فرانز فرديناند” في النمسا- هنغاريا في العام 1914 مثلاً يعد الشرارة التي اطلقت الحرب العالمية الأولى.


تغير الزمن

من الممكن أيضاً أنَّ تتغير النظرة تجاه عمليات الاغتيال مع مرور الزمن. ففي الهند وصف مرتكب عملية اغتيال زعيم الاستقلال “موهانداس غاندي” لاحقاً من قبل بعض مؤيدي حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم بأنَّه “شخصية وطنيَّة”.

كذلك اعتبر بعض المؤرخين اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي “اسحق رابين” في العام 1995 على يد متشدد من اليمين المتطرّف بأنّه لحظة كارثيَّة بالنسبة لعملية السلام في الشرق الأوسط. لكن ها هو اليمين المتطرّف بعد ما يقارب ثلاثة عقود قد برز كصانع ملوك في اسرائيل خلال الانتخابات الأخيرة.

حتى في اليابان أحدث اغتيال آبي الصاعق في شهر تموز الماضي انعطافة مدهشة، حيث أخذ البلد دوافع القاتل المزعوم مأخذاً جديَّاً تماماً. 

هذا الشخص، واسمه “تاتسويا ياماغامي”، أخبر الشرطة أن السبب الذي دفعه الى ارتكاب فعلته هو أن والدته كانت تقدم تبرعات كبيرة الى “كنيسة التوحيد”، وهي جماعة دينيَّة كانت لآبي بها كما يبدو علاقات وثيقة. بعد الاغتيال تعهد حزب آبي السابق بأن ينهي علاقته بتلك الكنيسة، ولو أنه عاد فتراجع عن ذلك التعهد فيما بعد.  

 اليابان، رغم بعدها عموماً عن العنف، لديها تاريخ مثير للاهتمام في ميدان الاغتيالات السياسيَّة، ولكن خذ بعض الدول التي نجحت لزمن طويل في تجنب الهجمات على كبار مسؤوليها. هذه الدول أخذت تشهد هي الأخرى عمليات اغتيال خلال السنوات الأخيرة: ففي بريطانيا لقي نائبان مصرعهما منذ العام 2016 في هجمات منفصلة ذات دوافع سياسيَّة.

أما في البرازيل، حيث كان العنف السياسي ماثلاً منذ وقت طويل كلما حلَّ موعد الانتخابات، فقد تصاعدت أحداث العنف التي نالت من ممثلين ومؤيدين للأحزاب السياسيَّة تصاعداً حاداً خلال انتخابات 2022 فاق ما شهدته الانتخابات  السابقة قبل أربعة أعوام، وفقاً لبيانات مشروع “النزاعات المسلحة - المواقع والأحداث”.


دور التكنولوجيا

جزءٌ على الأقل من التصاعد الواضح في عمليات الاغتيال قد يكون السبب وراءه بعض التغيرات التي شهدتها التكنولوجيا. فآبي أطلق عليه النار من مسدس “يدوي الصنع” نفذ باستخدام مواد متاحة اعتيادياً. التصاميم لمثل هذه الأسلحة، التي يمكن شراؤها من دون ترك أثر يدل على المصدر والتي تصنع أحياناً بأسلوب يساعد على تجنب أجهزة الكشف عن المعادن، يمكن العثور عليها بسهولة على شبكة الانترنت.

في السنوات الأخيرة تحدثت التقارير عن محاولات اغتيال باستخدام الطائرات المسيرة، مثل الهجوم الذي استهدف الرئيس الفنزويلي “نيكولاس مادورو” في العام 2018 اثناء حضوره حفلاً في مدينة كراكاس. نجا مادورو من تلك المحاولة المزعومة، التي كانت نسخة واطئة التقنية من الهجمات الاميركية بالطائرات المسيرة كتلك التي أدت في العام 2020 الى مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني.

كتب “بروس هوفمان” و”جاكوب وير”، الخبيران في مكافحة الارهاب من “مجلس العلاقات الخارجية”، مؤخراً: “التكنولوجيا البسيطة تذلل الموانع أمام المهاجمين فتسمح حتى لغير المدربين من المتطرفين او من لم يستكملوا استعداداتهم بمحاولة تنفيذ مخططات خطيرة”.

لاحظ الخبراء أيضاً حدوث زيادة في عمليات الاغتيال التي ترتكب بدعم الدولة، ومن بين هذه العمليات قتل الصحفي جمال خاشقجي ومقتل “كيم جونغ نام” على يد عملاء لكوريا الشمالية وكذلك العديد من حوادث القتل التي أمكن تعقب ارتباطاتها بالدولة الروسية.

بيد أنّ الاستقطاب السياسي الذي تستمر دائرته بالاتساع في مختلف أنحاء العالم، مدعوماً بما يسمى “غرف الصدى” عبر الانترنت القادرة على جعل الجناة المحتملين أكثر تطرفاً الى جانب شيطنة الضحايا المحتملين، قد فعل فعله في رفع مستوى خطر الاغتيال، مثلما حدث في الهجوم على منزل بيلوسي الذي خلف إصابة لزوجها بول.

يشير كلارك إلى أن شخصيات من اليمين واليسار في الولايات المتحدة قد استهدفت بهجمات ذات دوافع سياسيَّة، لكن الموجة الحالية من محاولات الاغتيال تعطي إحساساً بأنَّها أسوأ مما وقع في الماضي.

يقول كلارك متحدثاً عن العنف السياسي في الولايات المتحدة: “لقد شهدنا مثل هذا من قبل وتمكنا من البقاء ولكن هناك من يشعرون بأنَّ الوضع مختلف جذريَّاً هذه المرة”.


عن صحيفة

 “واشنطن بوست” الأميركية