تسويق حضاري

آراء 2023/01/02
...

 حسين الذكر


صحيح أن بطولة مونديال كرة القدم العالمية التي أقيمت في الدوحة خطفت الأضواء من نواح عدة، أهمها البعد التنظيمي الذي صرفت فيه الحكومة القطرية مليارات الدولارات برقم مهول يصعب تحقيقه في موازنة اغلب الدول.. إلا أن حقيقة المبلغ المذكور لم يصرف كله لإجراءات البطولة أو تحت مستند وعنوان كروي رياضي بحت... فقد كان للبيئة والبنية التحتية والتقنيات التكنولوجية الأحدث والطرق والجسور والإسكان والزراعة والصناعة والتجارة والاتصالات والكرنفلات والمهرجانات الثقافية المرافقة لأيام البطولة الكثير الكثير من المال، بصورة نجح فيها القائمون على الملف بتحويل الدوحة من عاصمة تطل على ضفاف خليج صحراوي مالح إلى مقر حضاري سياحي حديث، يمكن لها أن تبقى حية مفعمة نشطة وحيوي لعقود وقرون قادمة.. بصورة تجلت فيها الحكمة والتخطيط والبعد الستراتيجي.. مما اضفى نجاح اهم طغى فيه الجانب التنظيمي والإداري والبيئي على جوانب اخرى مهمة من قبيل التكتيك والجمهور والاعلام والمشجعين، التي عدت جوانب ثانوية سينتهي اثرها (الدوحي) في الأرشيف، بينما ستبقى بيئة الدوحة وشواهدها حاضرة تنبئء وتعلم الآخرين عن كيفية بناء وصناعة حضارة 

جديدة.

هنا يجب التأكيد على أن البطولة كانت مستهدفة من دول وقيادات ثقافية ونخبوية وعنصرية.. وغير ذلك الكثير مما ظهرت باشكال عدة، لكنها ذابت وتلاشت حد الاختفاء امام الثبات التنظيمي والدفاع القيمي، إذ ظلَّ المحور العربي الإسلامي البدوي قائما، برغم الهجوم العنصري والمثلي والهمجي في أحيانا كثيرة، ومشاهد عديدة سقطت فيه الأقنعة عن بعض المدربين واللاعبين والمسؤولين والثقافات والحكومات وهم يروجون للمثليين – على سبيل المثال – كثقافة غربية جديدة، أرادوا أن يفرضوها ويجعلوا من منصات الدوحة دعاية كبرى لها.. لكن أغلب بلدان العالم المتحضر رفضت ذلك، بل وحاربته تحت كل عناوينه، حتى تلك المظللة بستار (حقوق الانسان ودعاة الحرية الشخصية). 

في احتفالات المنتخب الارجنتيني المتوج بأس المونديال بقيادة مسي ولاعبيه شهدت عاصمة الارجنتين بوينس ايرس وكذا في بعض العواصم الغربية هجوما استهدافيا على الثقافة العربية، لا سيما ما تعلق باحتفالات العرب بفوز المغرب.. وقد تمَّ فيه استخدام ردود أفعال غريبة وخروج كلمات نابية وتصرفات مشينة تمثل العقل الباطن المنحدر قيما، وإن تسترت بغطاء عولمي اخر.. في وقت نجحت قطر تماما باستيعاب كل هذا الكم الهائل المتلاطم من التنافس والصراع المحتدم بوجوه عدة، لم تكن تشكل عقبة باعلان النجاح الذي لم يقتصر باطار معين.. بل إن النجاح القطري شكل انموذجا في التحدي وإدارة ملف الصراع والتنافس القيمي.. وهنا تكمن أهمية قيمة مونديال الدوحة.