الديمقراطية من دون أحزاب

آراء 2023/01/02
...

 آية غانم


ظهر مؤخراً بعد تقاعس الأحزاب السياسية أو فشلها، وبجميع أشكالها وتوجهاتها الأيديولوجية، ما يسمى بالديمقراطية غير الحزبية والتي تعتمد آلية تبادل السلطة ليس عن طريق الأحزاب، وإنما عن طريق الأشخاص المستقلين الذين يراهم الشعب أنهم أكفاء في إدارة الدولة وتلبية تطلعات الشعوب، وهناك مجموعة من الباحثين، أغلبهم في ريعان الشباب، يرون أن الوقت قد حان لرسم ملامح نظام ديمقراطي مباشر أكثر انفتاحاً، يتراجع فيه دور الأحزاب السياسية ورجال السياسة. إذ تقول هيلين لا نديمور، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة ييل: “إن هذه المقترحات كانت تثير الدهشة حتى عقد مضى، لكن أحداثا مثل هذه الأزمة الاقتصادية في العام 2008 وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في العام 2016، وسعت نطاق هذا الجدل. وهذا الأمر ليس مقتصراً على أميركا فقط، وإنما أخذ يتجه أفقياً نحو أوروبا وبعض الدول الأخرى عن طريق إشراك فئة معينة تتولى مهام السلطة بدلا من الأحزاب”.

وقد أجرت دول أوروبية عديدة تجارب على نظم بديلة للنظام الديمقراطي القائم على الأحزاب. ففي العام 2019، عقدت فرنسا مؤتمر المواطنين من أجل المناخ، الذي طلبت فيه من 150 مواطناً، اختيروا عشوائياً، المشاركة في اقتراح حلول للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، وافق الرئيس الفرنسي على الدعوة إلى استفتاء على أحد المقترحات في المؤتمر، بإدراج حماية المناخ في الدستور الوطني.

ولا شك في وجود آراء ليست بقليلة ترى أن لا ديمقراطية من دون أحزاب، لأن الديمقراطية ترتكز على التعددية السياسية، والأخيرة تعني التعددية الحزبية وتعددية الرأي، والتعددية الحزبية تعتمد على وجود أحزاب متعددة بوصفها مؤسسات عصرية، لتحل محل المؤسسات التقليدية: كالقوميات، والمذاهب، والقبائل، والعشائر، والعوائل. ويأتي جواب أصحاب هذا الرأي بشأن الديمقراطية من دون أحزاب. نعم، يمكن أن يتحقق هكذا نوع من الديمقراطية بوجود حاكم دكتاتور...

السؤال هنا: هل يمكن أن تتحقق الديمقراطية من دون أحزاب؟. وبقدر تعلق الأمر بالتجربة العراقية في الديمقراطية يمكننا القول: إن عدوى كراهية الحزبية والأحزاب مفهومة لسببين: الأول، إن الموروث الحزبي في العراق الجمهوري ارتكز على أساس المغالبة بين الأحزاب التي انتهت إلى الصراع على مستوى اقتتالي دموي، الأمر الذي أدى هذا الموروث عن طريق الصراع الدموي إلى غلبة الحزب الواحد وهيمنته على الحياة السياسية تحت يافطة الحزب القائد.

والسبب الثاني، لكراهية الحزبية في العراق، تمثل في التشكيلات السياسية الحزبية الكثيرة، التي شهدها العراق بعد زوال النظام التسلطي في العام 2003 لينتقل المشهد السياسي الحزبي في العراق من نظام الحزب الواحد إلى نظام التعددية المفرطة غير المنظمة (الأحزاب الدكاكين). غير أن الركون إلى الحزبية الأحادية حالة لا تخدم البناء الديمقراطي الصحيح، كما الركون إلى العددية العشوائية الحزبية المفرطة، تولد الفوضى ولا تخدم البناء الديمقراطي الصحيح وفي جميع الأحوال لا يمكن نجاح الديمقراطية من دون التعددية الحزبية المنظمة بقانون، وإن وجدت أخطاء أو عثرات، فلا يمكن تجاوز عثرات، وأخطاء الديمقراطية إلا بمواصلة الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية المنظمة لتجنب التسلطية الفردية والتسلطية الشعبوية.