«التسعيرة».. غائبة والمواطن يدفع الثمن

الباب المفتوح 2023/01/04
...

  بغداد: فرح الخفاف 

 تصوير: نهاد العزاوي

   ربما يكون العراق من البلدان القليلة جداً التي لا تعتمد على تسعيرة موحدة للمواد الغذائية، أو الدوائية أو الطبية أو للنقل أو أي شيء يباع أو يتداول آخر، وسط عدم وجود رقابة أو محاسبة تامة للتاجر وبائع المفرد والصيدلي والطبيب وغيرها من الأعمال، التي تسير بمزاجية وتقدير لأغلب أصحابها، متناسين الجانب الإنساني أو الشرعي، ما أدى إلى مضاعفة هموم وضغوطات الحياة على الأسر الفقيرة وحتى متوسطة الدخل.

ويسمع المواطن منذ سنوات عن تشكيل لجان ومشاريع قوانين وغيرها من الوعود لضبط الأسعار، أو مراقبة الأسواق، أو تسعيرة موحدة للأدوية، أو لكشفية الأطباء، لكنه لم يرَ شيئاً حقيقياً لغاية الآن، بل أن الأسعار تضاعفت والأجور قفزت، بينما اقتربت أعداد هائلة من المواطنين إلى خط الفقر، لتضاف إلى ملايين قابعة تحت هذا الخط منذ سنوات بانتظار ترجمة التعهدات إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع.

وتقول شيماء حسين (موظفة): إن “الأسعار في ارتفاع مستمر، وهنا لا أقصد الرز أو السكر أو الزيت، بل المواد التي تدخل ضمن مستلزمات العائلة، اذ لا توجد أسعار ثابتة، وكل بائع يضع السعر الذي يعجبه من دون محاسبة».

وتضيف ان “الأسعار تعتمد ايضاً على المنطقة، بينما يطلب بعض الأطباء ثمن الكشفية بمزاجية من دون مراقبة للجهات الصحية، فمثلاً طبيب الاسنان الذي أراجعه يطلب 125 ألف دينار من أجل إصلاح (سن واحد تعرض للتسوس)، اما طبيب العيون فكشفيته 50 ألف دينار وطبيب الأنف والأذن والحنجرة 40 الفاً وهكذا”، مطالبة وزارة الصحة والنقابات بمتابعة عمل الأطباء

والصيادلة.

اما محمد الساعدي (عامل بناء)، فيؤكد أنه لا يستطيع شراء كل ما يطلب منه من قبل العائلة، ويقول: هناك فرق كبير بين سعر الجملة والمفرد، سواء الخضراوات التي تباع بسعر منخفض في “العلوة”، في حين يبيعها أغلب أصحاب بسطيات المفرد بأسعار قد تصل للضعف أو حتى الأضعاف، بينما توجد هناك فوارق في السعر للمواد الغذائية.

ويشير إلى وجود حالات من الغش لدى الكثير من الباعة، اذ يقومون بالتلاعب بالميزان، خاصة الذين يبيعون الخضراوات والمواد في الأسواق الشعبية، متسائلاً: “أين فرق وزارة التجارة والزراعة وحتى جهاز الأمن الوطني؟”. 

بينما قال المتقاعد عبد الأمير محسن: “الرواتب الشهرية أصبحت لا تتناسب مع الوضع الراهن، فالأسواق تشهد تنافساً في رفع أسعار السلع والبضائع على أيدي أصحاب محال البقالة ومحال بيع المواد الغذائية والمنزلية الضرورية للحياة اليومية، وكأنهم داخلون في مزايدات علنية على أكتاف المواطن البسيط”. 

وحثَّ محسن الحكومة والجهات المعنية على فرض التسعيرات الموحدة لإنصاف المواطنين من متوسطي ومحدودي الدخل والأقل منهم الذين يشكلون أغلبية المجتمع العراقي، لا سيما أن الحكومات السابقة لم تقم بزيادة عادلة لرواتب المتقاعدين والموظفين منذ أكثر من 10 سنوات، لتتناسب مع واقع السوق العراقية. وبخصوص ذلك، يبدي الخبير المالي ثامر العزاوي، استغرابه من عدم وجود “التسعيرة”، خاصة مع استقرار الأوضاع في

العراق.

ويؤكد أن دولاً تعدُّ ثرية كالإمارات والكويت والسعودية، إضافة إلى الدول الأوروبية وأميركا وغيرها، تعتمد التسعيرة لمئات السلع والبضائع، وتشدد على تسعيرة الأدوية وحتى عمل العيادات والمستشفيات، مشيراً إلى ضرورة عدم ترك الأمور ليتحكم بها التاجر أو البائع من دون رقابة.

كما أوضح أن بعض المهن أصبحت تجارة وليست مهناً إنسانية كالعيادات الطبية الخاصة أو المستشفيات، بينما تبيع أغلب الصيدليات الأدوية بأسعار باهظة لا يستطيع المواطن البسيط المريض شراءها. 

ودعا العزاوي إلى إعادة العمل بالجمعيات التعاونية ونشرها بين المناطق واستثمار مباني الأسواق المركزية لذلك، فضلاً عن وضع تسعيرة للأدوية وكشفيات الأطباء، مع نشر فرق مشتركة من وزارتي التجارة والزراعة وجهاز الأمن الوطني وهيئة النزاهة اذا تطلب الأمر.