عبد الحليم الرهيمي
تعددت الآراء والمواقف والتصريحات الرسمية وغير الرسمية حول سبب أو أسباب انخفاض سعر الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي. فبينما يرى بعض التصريحات الرسمية أن ما يحصل هو لمصلحة العراق ومصلحة الدينار العراقي في المدى المنظور، رغم تضرر فئات شعبية واسعة حالياً لما يحصل، يرى آخرون أنَّ ما يحصل للعملة الوطنية هو مؤامرة لإسقاط حكومة السوداني لأطراف لا تريد له الاستمرار بهذا المنصب.
هذا في حين يفسر آخرون ما يحصل أنه مساعٍ عراقية – أميركية تهدف، وإن جاءت متأخرة، إلى وقف عمليات تسريب الدولار الآتية من موارد بيع النفط إلى الخارج بمختلف الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية، وأهمها نافذة بيع الدولار الذي يسرب إلى الخارج عبر بنوك أهلية يعود معظمها لسياسيين وتجار، أو تهرب بصناديق عبر الطائرات أو بالطرق البرية.
أما الآراء الاكثر خطراً وتشنجاً التي تتطلع إلى وقف تلك المساعي، فهي الآراء التي ترى أن ما يجري مؤامرة أميركية على مالية العراق والدينار العراقي وذلك جراء الوصاية الأميركية على مالية العراق، وهي الوصاية التي تشبه الاحتلال الأميركي الذي ينبغي مقاومته والتحرر منه والانتقال من التعامل بالدولار إلى عملات دولية اخرى، ويذهب مع هذا الرأي كثيرون من حيتان الفساد وسرقة المال العام بمختلف العناوين والأسماء، والذين يرون أن إغلاق منفذ بيع العملة (الدولار) – وهو بؤرة الفساد حسب الكثيرين – وكذلك اغلاق نحو خمسة عشر مصرفاً وهمياً وحقيقياً، متهمة في كونها ادوات الفساد وتسريب العملة، حيث إن هذه المصارف تعود بمعظمها إلى أولئك الذين يرفعون أصواتهم الآن، لوقف المساعي العراقية الأميركية لهادفة إلى إنقاذ العراق وماليته من التدمير المتواصل بعملته منذ سنوات.
وفي هذا السياق لتعدد الآراء المتباينة حول ما يجري، وما نجم عن هبوط سعر الدينار وارتفاع سعر الدولار مقابل ذلك أوضحت السيدة طيف سامي وزيرة المالية، التي تعتبر المرجعية الرسمية للقضايا المالية في العراق، في تصريح لها عن اعداد الميزانية لعام 2023 تطرقت فيه إلى الآراء المطروحة حول انخفاض سعر الدينار مقابل ارتفاع الدولار وعن سبب ذلك، حيث (فندت) الآراء والمواقف السلبية تجاه تلك الاجراءات بقولها (إن هناك منصة ونظاماً مشتركاً بين البنك الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي العراقي، وكان من المفترض العمل على هذه المنصة منذ العام 2018، لكن لم يطبق به العمل سوى الآن، وذلك لأغراض تدقيقية الان ولهذا السبب ارتفع سعر صرف الدولار بشكل مؤقت، ريثما ينتهي التدقيق ويعود بعد ذلك إلى استقرار وضعه الطبيعي.
هذا الرأي الصريح والواضح، الذي عبر عنه البعض بالقول (.. وعند وزيرة المالية الخبر اليقين ) يفسر الأزمة الراهنة لسعري الدينار والدولار، وهو رأي يحسم، في رأي كثيرين، الجدل حول الأزمة وأسبابها وظروفها ومآلها بالوصول إلى حل قريب لها، وهو الآمر الذي يفند كل الاراء بمواقف المتضررين بالاجراءات التدقيقية الجارية، الذين تأثرت وستتأثر أكثر مصالحهم، التي تلاعبت وسرقة أموال العراقيين طول السنوات الماضية.
وتحاول الجهات الرافضة لتلك الإجراءات التدقيقية، والتي شكلت مقتلاً لمصالحها وقف المساعي العراقية الأميركية لإنهاء الأوضاع الشاذة المدمرة للعراق ولعملته الوطنية، وذلك بإعلان الحرب على أميركا، التي تفرض هيمنتها ووصايتها على الاقتصاد والدينار العراقي وتحرير العراق من هذه السيطرة بالتحرر من الوصاية الأميركية كما تحرر العراق سابقاً من داعش!
وخلافاً لهذه الآراء المتوترة الداعية لما تسميه التحرر من الوصاية الأميركية، يرى كثيرون أنه ينبغي تقدير جهود الحكومتين العراقية والاميركية لتفعيل المنصة والنظام المشترك بين البنك الفيدرالي الاميركي والبنك المركزي العراقي، حيث توقف العمل بتلك المنصة منذ العام 2018. ويأمل اكثرية العراقيين أن تتوصل الاجراءات التدقيقية إلى كشف أسماء الأفراد والجهات، التي سرقت المال من نافذة بيع العملة المشؤومة والبنوك المساعدة الوهمية أو الحقيقية، والتي كشف منها حتى الان 15 مصرفاً!.
لقد تحملت الفئات الفقيرة، وحتى المتوسطة الحال مما جرى ويجري من خفض سعر الدينار مقابل ارتفاع سعر الدولار، حيث أثر ذلك في وضعهم المعاشي وانخفاض القوة الشرائية لديهم جراء ذلك، وسيكون بلسم ذلك وانهاء غضبهم المشروع بإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي لهم ولسعري الدينار والدولار، لكن الامر المهم، بل الأهم، هو ضمان الحفاظ مستقبلاً على مالية العراق وعملته المحلية من لصوص القرن ونموذجهم جريمة اختلاس نحو ثلاثة مليارات دولار من الأمانات الضريبية، التي نأمل أن ينال (فرسانها) العقوبات القانونية التي يستحقونها!.