{تك تك} فولتير

آراء 2023/01/04
...

  نوزاد حسن


في مجتمع كمجتمعنا تصبح سيارة الاجرة أو {التك تك} وسيلة لايصال رسالة ما لمن يقرأ تلك الكتابات التي تخط وتلصق في خلفية سيارة أو "تك تك".

حكم وأبيات شعرية بالعامية, وأقوال, ومقاطع من أغانٍ وأمثال شعبية، كل هذا نقرأه ونحن نقف في أوقات الازدحام أو نلمحه بدافع الفضول، حين يعبر سائق "تك تك" مسرعا من قربنا.

في الحقيقة استوقفتني عبارة مكتوبة على غطاء الـ"تك تك" الجلدي الاحمر, وجعلتني أفكر بفوضى حياتنا, وحجم العذاب الذي نعاني منه.

تقول العبارة "اذا لم تقدم الحكومة لنا نظاما عادلا فستخسرني كمواطن صالح".

صدمتني هذه الجملة بقوتها التعبيرية. وتساءلت لو أن فولتير عمل سائق "تك تك" في يوم من الأيام، فلن يكتب أفضل من هذه العبارة العميقة.

لهذه الكلمات قوة النقد التنويري الذي يمارسه المثقف الحقيقي في بلد يعاني من فساد وسوء الخدمات.

أعرف بالتأكيد أن صاحب الـ"تك تك" عثر على هذه العبارة من تصفحه اليومي لمواقع كثيرة في النت. لكن اختياره لها يدل على أن هذا الشاب يعرف المشكلة التي تتفاقم يوما بعد اخر دون ان يوضع لها حلا جذريا.

ترى ما هي مشكلتنا الرئيسة التي جعلت سائق الـ"تك تك" هذا يعلن رأيه من خلال عبارة تحذرية. أظن ان مشكلتنا هي في تلك الفجوة بين النظام السياسي وبين الشعب. 

وربما يكون أخطر ما يواجهنا هو شعورنا اننا نتعرض كل يوم لنوعٍ من الخداع، لا يمكننا فضحه بسهولة. وأكثر ما يحزننا هو لا مبالاة السياسيين بكل ما يجري من أحداث.

أحيانا أكتشف صدق مدرب كرة القدم اذا بكى عند فوز فريقه. فكيف أكتشف صدق أحد السياسيين وهو لا يهتم بقضايا تمس حياة شعبه, وما يريدون تحقيقه.

تاريخنا السياسي المعاصر يعلمنا هذه الحكمة البسيطة، التي لم نعد نراها في سياسيي هذه الأيام.

لم ترتبط السياسة يوما في تاريخنا بالثراء المادي, كما أنها لم تكن ساعات امتياز وأبهة ومتعة.

في أيامنا هذه ظهر السياسي العملي كبطل علينا أن نقف له بإجلال. هذا السياسي البطل لا يشبه الملك فيصل في قلقه على الشعب, ولا يشبه الزعيم قاسم في انزعاجه من فقر الناس. إنَّ السياسي في ايامنا هذه هو نموذج لا يقاس عليه. إنه عبد امتيازاته.