شاعر {يا نجمة}.. قصائد كاظم الركابي تحلّق في سماء الأمنيات

ثقافة شعبية 2023/01/05
...

 وجدان عبدالعزيز


يبقى الإبداع والمبدع في بحث دائم عن الحقيقة، والمبدع عادة يمتلك رغبة قوية في امتلاك قرارات نفسه، لذا يبقى في بحث دائب، كي يمتلك الأداة الفارزة بين المفيد وغيره، وبالتالي يتحول المبدع إلى رمز ثقافي وحضاري، يثري تراث أمته بإنتاجه الأدبي والثقافي، لأن التراث يمثل مصدراً للهوية والتماسك في المجتمعات التي تواجه تحولات مربكة وتعاني من انعدام الاستقرار الاقتصادي.

 

ويسهم الإبداع في بناء مجتمعات منفتحة وجامعة وتعددية. ويساعد كل من التراث والإبداع على إرساء الأسس اللازمة لنشوء مجتمعات معرفة، ومفعمة بالحياة تزخر بأوجه الابتكار والازدهار، حتى أقرر ماذا أريد أنا كاتب هذه السطور؟ عليّ أن أقول إن الماضي، أمسى طوراً من الأطوار يمكن تفسيره والاستفادة منه، ومن ثم تجاوزه وجعل المستقبل كاشفاً يبدع حاضراً جديداً متوهجاً. هذه المقدمة لتسليط الضوء على واحد من مبدعي العراق في الشعر الشعبي، ألا وهو الشاعر المرحوم كاظم الركابي الذي عاش فتوته وشبابه في محلة السراي الثانية القريبة من دائرة الكهرباء القديمة في شارع عشرين/ الناصرية، وعرفه الكثيرون من شباب محلة الشرقية والسراي كأحد الرياضيين المعروفين في المدينة، وكان إنساناً مثقلاً بهمومه اليومية وشظف الحياة، ويكثر من القراءة والمتابعة، وهو شغوف بقراءة الشعر لمظفر النواب وعريان السيد خلف والجواهري وناظم حكمت وبابيلوا نيرودا، وجعل من المكان حضوراً متميزاً في قصائده، يلتقط منه جمالياته، تلك التي تمثل له وجع الفقدان، أو الحنين، أو جمال الحضور والحب، فكانت أجواء المدينة والريف، الريف الذي يحيط بمدينة الناصرية من كل جوانبها ببساتين النخيل، وزقزقة العصافير وهيجان نهر الفرات، إذ استمد الشاعر الركابي جمالية قصائده من هذه الأجواء، فقصيدته (بسكوت) الرائعة، التي امتزجت فيها مشاعر العاشق الإنسانية والوجدانية، عبر صور جميلة لذلك الحب النقي العفيف، هذا الحب الذي عادة ما تحكم عليه العلاقات الاجتماعية، بأن يعيش ويموت في السر (البسكوت)، حسب التقاليد والأعراف، فجاءت قصيدته باسم (بسكوت)، فرسم لوحة حلم مرة يبكي ومرة يضحك، لكن بصمت وبوجع، ورغم هذا فالركابي يدعو حبيبته إلى أن تعلمه الغناء، حتى لو كان عذاباً، ويردد : (ماني أكيف عالجرح من ﭽف الاحباب)، ثم يتمنى أن يكون العشق في العلن، فيقول الشاعر 

الركابي : 


 (بسكوت .. مثل ﺒﭽﻲ الحلم بسكوت 

مثل ضحك الحلم .. بسكوت 

أحبك لا تظل مثلي ﻋﺸﮒ .. بسكوت

ﺃﻨاطر عاﻠﻀﻭه من ينسد الباب 

وأخضرﱢ عالتراب البيه أثر جدمك ..

وأصيحن ياب

عطاب الهوه البسكوت ..عطاب

لاهو فرح .. لاهو دموع .. لاهو عتاب

علمني أغانيكﱢ حتى لوﭽانت أغانيك ..

عذاب

ماني أكيف عالجرح من ﭽف الاحباب 

ولايبقه اﻠﻌﺸﮒ بسكوت لاشباﭺ ..

إله ولا باب

لا شباﭺ إله ولا باب)

وهي دعوة لفتح أبواب الحب والجمال لحياة مغلقة وموصدة، فقط للفقر والحرمان، وترك الشاعر الركابي إرثاً شعرياً متميزاً، إذ كتب قصائد أصبحت أغاني خالدة مثل أغنية (كصة المودة)، والأغنية المشهورة (يا نجمة) ألحان كوكب حمزة وغناء الفنان الكبير حسين نعمة ومن كلماتها : 

(يا نجمة عونج يا نجمة

متعليه وتشوفين

شينيمه كلبي شينيمه

نامت ﮔلوب الناس ﮔلبي شينيمه

أنا بحلم لو يمر تاخذني فرحة عيد 

أنصب مراجيح ودك لليل خله يزيد 

يا نجمة ريت العشك ياخذنه مره 

بعيد).


وكانت كلماتها تدغدغ الروح، وتأخذ مساحة من التأملات الحالمة المحلقة بأجواء الجمال والحب والأمنيات، أن يكون كما هي النجمة في الأعالي وترى الجميع، وفي مقطع من قصيدة (المناجل)، كان الركابي قد تألق في بلاغته وصوره الراقية، 

يقول :


(أضحكلي بشفاف اﻠﮔﻤﺭ.. 

أضحكلك أبسن منجلي

ولاغيمة تحبس ضحكتك

ولاخاين أبتل منجلي 

شديته بالشريان ..شد ويه العظم 

صار العظم هو منجلي

والمنجل ﺇبجسمي عظم 

واﻠﮔلب فد دﮔه يدﮒ

نوبه الك .. ونوبه ﺇلي).


أي حينما يكون الحب والجمال سيكون عناق بين الأرض والسماء، ثم يكون العطاء الثر، فقوله : ((أضحكلي بشفاف اﻠﮔﻤﺭ../ أضحكلك أبسن منجلي)، فهنا لقاء بين ضياء القمر الفضي، وبين سن المنجل، والمنجل يعد لحصاد سنابل الخير، حينما تينع وتعطي أكلها، وأيضاً المنجل رمز للعمل والجد والإنتاج واستمرار الحياة، وهذا ما أكده الشاعرة بقوله : (والمنجل ﺇبجسمي عظم)، كل هذا وغيره جعل الشاعر كاظم الركابي من الخالدين في تراث الشعر الشعبي 

العراقي.