امتحان الوعود

آراء 2023/01/08
...

 حسب الله يحيى

ليس من السهل أن نعد بالكثير، ولا نفي حتى بالقليل. القليل مقبول.. بعد أن يأسنا من الكثير، بحيث لم نعد نصدقه ولا نثق به من أي مصدر كان. وهذا يعني أن الثقة باتت معدومة ومستحيلة وعصية، وهي أشبه بمن يريد أن يجمع الماء بغربال، أو يطفئ الشمس بشبكة. عشرون عاماً بالتمام والكمال، مضت و(العراقي الأبي) يأبى التغيير والإصلاح والانتقال إلى مرحلة الأمان والاستقرار والعيش المقبول، ولا نقول (السعيد)،

باعتبار أن (السعادة) صارت بعيدة المنال في أوضاع سياسية واقتصادية وتربوية واجتماعية وصحية، لا تصطفي على صفاء، ولا قدرة لها على تخطي حالة القلق وعدم الاستقرار الذي بات أملاً وطموح كل العراقيين في أن يعيشوا بخير ووئام وسلام.

وما دامت الوعود التي تعد بها كل الحكومات المتعاقبة لكل العراقيين، بأنهم على موعد مع فردوس عراقي قادم؛ إلا أننا لا نجد من يفتح آفاق هذا الفردوس حتى الهواء النقي، الذي يمكن أن نتنفس منه العافية.

فالغاز يحرق علنا والنفايات منتشرة، ولا تعتب عليها كل الأماكن والأجواء ملوثة بالمولدات وعوادم السيارات. 

أما هذا القليل الذي نطمح اليه فهو لا يتجاوز المطالبة بحق العمل، بعد أداء مضن قدمته الشبيبة العراقية على مدى سنوات من التعلم والتعليم ومحاربة الجهل مجانا. 

إلا أن الحكومة لا تريد أن تبقي على صوت هذه الشبيبة، لكي تظل تتصدق على الحكومة وتعمل لتلميع وجهها، مستغلة وطنية واباء وعزة نفس هذه الشبيبة، التي تريد أن تزرع كلمات محبة ومعرفة وأمان في عقول الجيل الجديد.

هذا الجيل من الطلبة نسوا انهم طلبة ما داموا يدرسون تحت سقف السماء، ويشربون ما تيسر من الترع والسواقي والماء الحي، الذي بات لا يحيي أحدا بسبب تلوثه.. ويداومون على الرغم من أحوالهم المعيشية وأوجاعهم التي يدارونها بالأعشاب والأدعية.

اذن لماذا تعدَ الحكومة بما لاقدرة لها على تحقيقه وانجازه حتى أن البطاقة التموينية والتي لا يتم وصفها الا للشعوب المقهورة والمغدورة والمأزومة من ثقل الحروب والأوبئة. 

نعم حتى هذه البطاقة التموينية التي وجدت في ظروف قاهرة؛ باتت دائمية وديمومتها في تضاؤلها، حتى أن سخاءها الموعود ظل وعدا لا تستجيب له حتى الأحلام.

الحال مختلفٌ الآن، حيث اصبحت أنظار اللصوص تحمل عيوناً مفتوحة على سرقة اموال البطاقة التموينية وغذاء المرضى والمعتقلين، واستبدالها بمفردات رديئة وتغييب الكثير من موادها.

مفردات للعيش لم يعد ينتظرها أحد للعيش عليها، فهي إن جاءت رديئة وإن غابت لا يسأل عن غيابها أحد.

اذن.. كيف يصبح بمقدور (العملية السياسية) أن تنجح وتبر بوعودها المتلاحقة، بحيث توفر للناس عيشا آمنا مستقرا، والحد الأدنى من الاستقرار والعيش المقبول في عمل وتعليم وصحة يتمناها كل انسان.. غائبة، بينما الحيتان تأكل الأخضر واليابس، وتؤدي الصلوات الخمس، وتستعين على قضاء حاجات العراقيين بالمن والسلوى والعمل بالعلن لا بالكتمان.. ولذلك نجد من يتباهى ويتبارى في توزيع رغيف خبز مع أدعية، لكي يحفظ لهم مقاما في الجنة بينما هم يسلبون قوت يوم الناس.

من هنا نجد انفسنا ننتبه إلى أن القطيعة بدأت تتسع وأن الثقة باتت تنعدم في ظل الوعود التي لا تنشغل إلا بالإعلان عن نفسها، ذلك أن الوعود بحزم اضواء الشمس والقمر، مسألة عصية عن التصديق، ذلك أن هذه الأضوية من صنع الطبيعة لا من صنع وعود منطفئة. إذن لماذا نعد بما لاقدرة لنا على إنجازه؟

الكلام مجاني أما الايفاء فهو أمر سيظل بعيد المنال إلى أن يشاء اصحاب القرار ليقروا أن الشعب يستحق الحياة وأن العيش أمرٌ لا بد منه. نحن نمتحن الحلم بالغضب والحديد بالنار والوعود بالتنفيذ.

فهل سيظل الغضب مخزونا والحديد مستقرا على صلابته والوعود في حضورها الكاذب؟

هذا ما سوف تجيب عليه الأوقات العصيبة والاحوال التي لا حول لها ولا قوة.