العام 2023.. أي تحديات تواجه إيران؟

آراء 2023/01/09
...

 محمد صالح صدقيان 

خمسة تحديات أساسية وستراتيجية تواجه الحكومة الإيرانية خلال العام 2023. أنا أعني في التوصيف عندما أقول «الحكومة الإيرانية» ولم أقل «إيران» أو «النظام السياسي» أو «الجمهورية الاسلامية». لأنه وببساطة يجب الفصل ما بين «النظام السياسي»، الذي يشمل قاعدة عريضة من مراكز القرار ومعها الأحزاب والتيارات السياسية والدينية والاجتماعية والنقابات المهنية المتصدية للقرار السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر؛ وبين الحكومة التي يرأسها هذا الفصيل أو ذاك؛ وهذا التيار أو ذاك؛ والتي تكون مدعومة عادة من قبل شريحة معينة من الوسط السياسي والشعبي علی غرار الحكومات المشكلة منذ العام 1980 ولحد الآن.

الرئيس ابراهيم رئيسي، ومعه طيفٌ معينٌ من التيار الاصولي تدعمه شريحة معينة من الوسط الشعبي، لا أريد التقليل من أهميتها هي التي تقف وراءه وتدعمه وتحاول انجاح مهمته بما يحقق مصالح المواطنين ورضاهم؛ إلا أنه بعد مرور أكثر من عام علی تشكيلها؛ لم تظهر حكومته حنكة وقابلية علی إدارة الملفات الساخنة؛ الأمر الذي أدی إلى استبعاد وزيرين من الكابينة الوزراية، هما وزير العمل والشؤون الاجتماعية ووزير النقل وتخطيط المدن اضافة إلى محافظ البنك المركزي، بينما توجه انتقادات حادة لوزراء آخرين منهم الصحة والاقتصاد والتربية والتعليم والرياضة والصناعة؛ مما انعكس بشكل واضح علی أداء 

الحكومة. 

في الوقت الذي يشهد أداء مجلس الشوری البرلمان في دورته الحالية، الذي ينسجم مع الحكومة إلى حد بعيد؛ أداء متواضعا لم يثبت جدارته في معالجة المشكلات التي يعاني منها المواطنون، ولم يثبت قدرة المتابعة والاشراف علی تنفيذ البرامج التي تخص المواطنين.

وهذه التصورات أصبحت مسموعة اكثر من ذي قبل من الأوساط الدينية والسياسية والاجتماعية، والتي بدأت التفكير بصوت مرتفع بعد تفاقم المشكلات الداخلية. 

أولی التحديات التي تواجه الحكومة هو التحدي الاقتصادي، الذي بدأت ملامحه بانخفاض سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، حيث يتوقع المتعاملون في سوق الصرف ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 50 ألف تومان وهذا الامر ينعكس علی ارتفاع النسب الاقتصادية، كالتضخم والبطالة وارتفاع الأسعار والخدمات في الوقت الذي انتهجت الحكومة سياسة رفع الدعم عن السلع والخدمات المقدمة منذ بداية السنة الإيرانية «21 اذار مارس الماضي» لفك الارتباط بالاعتماد علی النفط؛ والاعتماد علی الضرائب كوسيلة لسد احتياجاتها ونفقاتها العامة الواردة في الموازنة.

الآن أمام الحكومة تحدٍ في تحسين اداء الفريق الاقتصادي الذي لم يظهر كفاءة في معالجة المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون، ليستمروا في دعمهم للنظام السياسي في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية الخارجية كما يرغب بها النظام وفق ثوابته السياسية.

ثاني هذه التحديات هي التحديات الأمنية الداخلية التي افرزتها الاحتجاجات الاخيرة حيث يشكل العامل الاقتصادي العمود الفقري لهذه الاحتجاجات، اضافة إلى عدد من القوانين التي تتعلق بالحريات السياسية والحريات العامة التي هي بحاجة إلى اعادة نظر.

 وعلی الرغم من انخراط مراكز القرار الإيرانية في التقييم والمراجعة، لكن العبء الأكبر يقع علی آلية تنفيذ الأجهزة الحكومية لإعادة الثقة بهذه الأجهزة، خصوصا أن إيران تواجه استحقاق انتخابي برلماني في فبراير/ شباط من العام

 2024.

ثالث هذه التحديات هي تحدي المفاوضات النووية ونتائجها وفي المجمل العلاقات الخارجية.

لم تصل هذه المفاوضات التي بدأت في ابريل/ نيسان من العام 2021 لنتائج ترضي الجانبين بعدما وضعت حكومة الرئيس حسن روحاني كامل البيض في سلة تلك المفاوضات، التي لم تنجح في استكمالها وتم ترحيلها لحكومة الرئيس ابراهيم رئيسي؛ وهي الآن – أقصد المفاوضات - في وضع لا يحسد عليه.

لكن الواضح أن هذه المفاوضات التي تحاول إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 قد وصلت لطريق مسدود ومن المستبعد التطرق لهذا الاتفاق كما كان في العام 2015، اللهم الا ان يكون «اتفاق بلاس1» بسبب تغيير الكثير من المعادلات التي رافقت اتفاق عام 2015. 

الآن نحن نتحدث عن ظروف جديدة إن كانت علی مستوی الجانب الإيراني أو علی الجانب المقابل، وتحديدا الأميركي الذي أعلن أن المفاوضات النووية ليست في أولوياته في الوقت الذي ما زال الجانب الإيراني مصرا علی اتفاق 2015 وهذه الاجواء تخلق تحدِيا جديدا للحكومة 

الإيرانية. رابع التحديات هي في المواجهة مع الكيان الإسرائيلي في ظل حكومة يمينية متطرفة بامتياز؛ لكنّي أعتقد أن هذا التحدي هو أضعف التحديات التي تواجه إيران لكن الظروف تقتضي عدم استبعاده.

لماذا اضعف التحديات؟ لأنه وباختصار شديد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية «الجديد القديم» نتنياهو يحمل بذور ضعف هذه الحكومة ولا يحمل قوتها.

هذا الرجل فشل في مواجهة إيران في غز قوته حتی عندما كان البيت الأبيض يحكمه الرئيس دونالد ترامب، لكنه عجز من تحقيق اهدافه وكان له الفضل الكبير في تطوير برنامج إيران النووي وتعزيز إيران لقوتها الاقليمية بعدما دفع الرئيس ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018. 

الآن إيران في العام 2023 هي أقوی من العام 2018 في الجوانب، التي تهم المواجهة مع اسرائيل عند اي عمل عدائي تقوم به ضد المصالح الإيرانية؛ لكن هذا التحدي لا يزال قائما علی خلفية الثوابت الإيرانية في الصراع الاقليمي مع  الكيان. 

التحدي الخامس والأخير في العلاقة مع الصين وروسيا، والذي يحمل في طياته مستوی العلاقة التي يجب أن تصل إليه وفق أجوبة لعدة أسئلة غير واضحة.

كيف ستتعامل الصين مع برنامج العمل المشترك الموقع مع إيران لمدة 25 عاما بقيمة 250 مليار دولار؟

هل أنها مستعدة للدخول في تنفيذ مشاريع ستراتيجية مع وجود الحظر الأميركي علی الشركات العاملة في السوق الإيرانية؟

ما هو مصير التعاون الإيراني الروسي بعد الحرب الاوكرانية؟ وإلى اي مدی يستمر هذا التعاون؟

وماهي سقوفه؟

وهل أنه سيتأثر بنتائج الحرب الأوكرانية؟

وبأي اتجاه؟

الأجوبة علی هذه الأسئلة، تعتبر من التحديات التي تواجه الحكومة الإيرانية.

استناداً إلی هذه التحديات الستراتيجية الخمسة ينبغي للرئيس ابراهيم رئيسي أن يعيد النظر بتقييم أداء كابينته الوزارية لأن الأداء الحالي وبالصورة الموجودة لا تستقيم مع الأمور والتطورات والأوضاع الحالية، وهو بحاجة لمراجعة جدية وموضوعية وواقعية في التقييم وفي الأداء.