2023 بداية ساخنة في العلاقات التركيَّة السوريَّة

آراء 2023/01/10
...

 سناء الوادي *

مع بداية العام الجديد طغى ملف التقارب التركي ـ السوري على كل الملفات السورية الحانقة بعد قطيعة طويلة بين البلدين، دامت لأحد عشر عاماً، وتباينت حول ذلك ردود الفعل في الداخل السوري بين متحمسٍ ومنددٍ ورافضٍ لبسط اليد لمن كان شريكاً في الدم السوري. 

وانطلاقاً من المبدأ الذي يقول بإمكانية تقلب المواقف والعلاقات السياسية تبعاً للمصالح فإنه من غير المستغرب اللقاءات العلنية الآن على مستوى وزراء دفاع البلدين برعاية روسية، واللقاء المزمع عقده بين وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو في منتصف الشهر الحالي، وما سبق ذلك من لقاءات سرية بين أطراف أمنية من كليهما في عدة محافل منذ العام 2019م، ولكن من المستغرب حماس أنقرة الكبير للوصول لاتفاق مع الدولة السورية بأقرب وقت، ما النوايا التي تخفيها خلف تلك التصريحات المتلاحقة من مسؤوليها؟ وما سرّ الإصرار لإنشاء منطقة عازلة على الشريط الحدودي بمشاركة دوريات روسية لحفظ الأمن؟. 

عند قراءة مجريات الأحداث التي تعصف بالعالم ككل وما لازمها من تأرجح في التحالفات وطموح أنقرة بأن تتحكم بصمام نقل الغاز الروسي لأوروبا، إضافة لمحاولتها التقارب مع دول عربية محورية كالسعودية ومصر ناهيك عن تضييق الخناق على متزعمي المعارضة السورية المتواجدين على أراضيها، بعدما قدمت لهم كامل الرعاية والدعم، معلنةً عن تعديل مسارها للاتجاه المغاير تماماً كما حدث في وقت سابق عندما انقلبت على صديقتها المقربة سورية، وجعلت من حضنها بؤرة لاحتواء الجماعات المتطرفة وفتحت أبوابها على مصراعيها للمدنيين الهاربين من المناطق الساخنة، وبعض الملاحقين قانونيا بأحكام مختلفة، ذلك تبعاً لطموحات سياسية بزيادة نفوذها في دول الجوار وإمكانية التأثير بما يخدم مصالحها.

محللون سياسيون ربطوا بين ما سبق والانتخابات الرئاسية التركية في منتصف 2023م وقالوا إنما هي محاولة لزيادة فرص أردوغان في النجاح، لأن ملف اللاجئين السوريين الضاغط من الأحزاب المعارضة له يؤرق مزاجه، خاصةً بعد فشل محاولاته لعدة أعوام بالسيطرة على الشمال السوري وإنشاء منطقة آمنة وإعادة اللاجئين لها، إن نوايا أردوغان التي أعلنها لأكثر من مرة في تصريحاته قائلاً "في حال لو فهمنا الميثاق المِلّي سنفهم مسؤوليتنا في سورية" يدعوني للغوص في تفاصيل الاتفاق الملّي الذي يعتبر وثيقة وطنية يجمع عليها الأتراك في ما بينهم، وتعود لمؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك في عام 1920م وخوفه آنذاك من ضعف الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، فترأس مؤتمراً وطنياً في مدينة أرضروم لتشكيل حكومة جديدة عاصمتها أنقرة، عوضاً عن العثمانية التي عاصمتها إسطنبول ونجح بانتزاع اعتراف دولي بحكومته، بعدما انتصر بحرب الاستقلال التركية ـ اليونانية ما جعل منه بطلاً قومياً ورمزاً من رموز الهوية الوطنية لا يتنازل عنه الأتراك، وبالرغم من عدم تمكنه في اتفاق لوزان بالحصول إلاّ على الفتات من الميثاق الملّي دولياً، خاصة البنود المتعلقة بالتنازل عن الولايات العربية التابعة للدولة العثمانية لصالح فرنسا وانكلترة مع التمسك الكبير بشمال سوريا حتى حلب وشمال العراق حتى كركوك فهي تدخل ضمن الخريطة الملّية التي يناضل الأتراك إلى اليوم لرسمها واقعاً. ولربما يسعى رجب طيب للحصول عن طريق المفاوضات مع الدولة السورية، ما لم ينله بالطرق الأخرى وضرب عصفورين بحجر واحد الأول إعادة اللاجئين والتخفيف عن الاقتصاد التركي المتأزم والثاني إبقاء اللاجئين شمال سوريا ضمن الحماية الروسية التركية، وإقامة مدن وبنى تحتية لهم، والتي قد تقوم بها شركات من أنقرة بما فيه انعاشاً لاقتصادها حسب اعتقاد البعض. 

وغير خافٍ على أحد الهدف القديم والمستقبلي بضرب الجماعات الكردية في دول الجوار، ومن بينها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من أميركا المسيطرة على الشمال الشرقي السوري الغني بالغاز والنفط، إضافة لاعتبارها خزان القمح الضامن للأمن الغذائي للدولة، ومع تزايد قوة هذه الجماعات وتزعمها من بعض عناصر حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا بطبيعة الحال كجماعة إرهابية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهذا ما تعدّه تهديداً مباشراً على تخومها الجنوبية، وهنا بالذات تتقاطع المصالح بين البلدين فمن حق الشعب السوري عودة الثروات المنهوبة وانضواء الأكراد تحت لواء الدولة، فهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني المتكامل، وفي ظل الغياب الجدّي الأمريكي في المنطقة والمباركة الإيرانية لهذا التقارب لما فيه من إضعاف للكرد والرعاية الروسية للمفاوضات قد تسفر هذه اللقاءات عن اتفاق بين البلدين وعودة العلاقات التجارية وفتح المعابر الحدودية، ولكن بشرط الاعتراف التركي بالسيادة السورية على جميع أراضيها وعدم التدخل في الشأن الداخلي، والأهم هو اعتبار المعارضة المسلحة للدولة السورية كجماعات إرهابية يحق لها القضاء عليها. 

الملفات جميعها قيد الدراسة وسيتم التفاوض عليها في قادم الأيام بما يتناسب مع الرؤية السورية قبل كل شيء ويحقق الاستقرار السياسي في البلاد مع وضع تذبذب المواقف التركية نصب أعيننا كشريكٍ لا يمكن الوثوق به وبشكل خاص ما قد يحصل بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية فيها، لنرى ما تحمله الأيام للسوريين في الداخل والخارج من مفاجآت. 

 * كاتبة سورية