وصل الشاب العراقي فؤاد السلطاني إلى سويسرا، قبل نحو أربعة أشهر، سالكاً طريق البلقان، الذي يستخدمه اللاجئون القادمون من إيران والعراق وأفغانستان، وهو الطريق ذاته الذي أوصل آلاف اللاجئين السوريين إلى أوروبا.
ويروي السلطاني الذي سلك هذا الطريق إلى جانب أفراد عائلة سورية، أن معظم اللاجئين يجتازون أوروبا الوسطى عبر مقدونيا الشمالية وصربيا، ليصبح بمقدورهم الاستفادة من ميزة الحدود الملغية بين دول الاتحاد الأوروبي المنضمة الى اتفاقية (شنغن)، التي تسهّل القوانين المتعلقة بالتنقل عبر الحدود الخارجية.
واستعان السلطاني مع مجموعة اللاجئين التي رافقته، خرائط غوغل، للوصول إلى الأهداف المرجوة، مؤكدا أن طريق الهجرة بات أسهل من ذي قبل، بفضل أجهزة الملاحة في تلفونات المحمول.
وفي حين يثني السلطاني على التضامن الذي يُبديه السكان المحليون مع اللاجئين الوافدين، فإنه يأمل في التواصل مع أفراد الجالية العراقية بأقصى سرعة.
وما يعزز أمل السلطاني، هو انحسار تدفق اللاجئين إلى أوروبا، بعد فترة عصيبة من تدفق اللاجئين السوريين ثم الاوكرانيين، الى الحد الذي هيمنت فيه صور محطات القطار المكتظة على وسائل الإعلام.
ولأن سويسرا هي الدولة الأولى من بين دول شنغن، حيث حطت قدما السلطاني على أرضها، فقد أصبح من حقه قانونيا، تقديم طلب اللجوء إليها، حيث تصبح الدولة العضو في اتفاقية شنغن التي يدخل إليها طالب اللجوء أولاً، هي المسؤولة عن كل ما يتعلق بإجراءات اللجوء.
ويفضّل العراقيون بشكل عام الهجرة أو اللجوء إلى سويسرا والدول الاسكندنافية، مثل الدانمارك والسويد، كما يفضلون الاستقرار في هولندا، على الرغم من أنها بعيدة عن طرق الهروب بسبب ما تقدمه من امتيازات للاجئين والمهاجرين الجدد.
وكانت السلطات في دول أوروبا الوسطى ومنها المجر قد اتخذت اجراءات تحد من تدفق اللاجئين، وشيدت السياج الذي يمنع من عبور الحدود الصربية المجرية، لكن ذلك لم يعد يشكل عائقا أمام المهاجرين.
والجالية العراقية في سويسرا، مستقرة، ويتمتع أفرادها بمهارات حرفية وأكاديمية، تجعلهم في معزل عن مشكلات البطالة، بينما المهاجرون القادمون حديثا مثل السوريين والاوكرانيين، عرضة إلى هجوم اليمين، الذي يطالب بعدم استقبال اللاجئين من سوريا إلا بشكل مؤقت وبأن يعودوا الى بلدانهم في أسرع وقت ممكن، عندما يهدأ الوضع.
وبسبب استقرار أوضاع الجالية العراقية في سويسرا، فلم يكن أفرادها يوما بعيدين عما يجري في وطنهم الأم من أحداث، ويتفاعلون مع المستجدات بشكل يومي وبطرق شتى، كلّ من موقعه.
كما أن اهتمام العراقيين بسويسرا له طعم خاص مستمد من التاريخ، فيقول علي الكناني، وهو مهندس يقيم في جنيف، أنه «في الثامن من أيلول، العام 1933تلقى العراقيون نبأ وفاة الملك فيصل الأول في سويسرا فخيم الحزن على البلاد».
وفي دلالة على التفاعل مع الوطن الأم، نظمت الجالية العراقية في سويسرا في السنوات القريبة الماضية، تظاهرة أمام مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم للمطالبة لرفع الحظر عن الملاعب العراقية.
وفي هذا العام، خاضت المجموعة المسرحية السويسرية «أكواد» مغامرة تحويل ملحمة جلجامش، التي تُعتبر أقدم أسطورة في العالم، إلى مسرحيةٍ معاصرة تتناول قضايا كونية.
ويتيح النص المحكي بالعربية، والألمانية، والإنجليزية الاستماع الى فصل مهم من تاريخ بلاد الرافدين، مصحوبا بالموسيقى.
ويشرح الناشط العراقي ايهاب رعد عباس كيف أن «العراقيين في سويسرا، نجحوا في التعبير عن أخلاقهم واحترام الشعوب التي آوتهم»، مشيرا الى حادثة حين «وصل متأخرا ذات يوم إلى محطة قطار لوگانو، وفي وقت أغلقت فيه مكتب بيع التذاكر وما بقي له خيار سوى استخدام الجهاز الآلي لحجز تذكرة قطار الى ميلان شمال ايطاليا لكن الجهاز كان معقدا، وبقي في حيرة من أمره، وإذا بشاب عراقي يقيم في سويسرا منذ نحو العقدين، يتقدم نحوه ويقدم له المساعدة في الوصول إلى ميلان عبر قطار ليلي، كما عرض عليه المساعدة المالية»، في دلالة على التكافل المجتمعي بين عراقيي المهجر، ولم يعد يصح القول ان العراقيين تتقطع بهم السبل حتى وهم في طريق الهجرة، بسبب روح التعاون والمساعدة التي طبعوا عليها في بلدانهم.