بغداد: فرح الخفاف
تصوير: نهاد العزاوي
لا يخفى على أحد أهمية الاستهلاك باعتباره غاية تتمثل بإشباع الإنسان لمنافعه واحتياجاته، إلا أن المستغرب هذا النهـم الاستهلاكي الحالي، والذي أصـبح عـادة متأصلة عند الكثير من العراقيين، ومن المفارقات العجيبة أن الأغلبية يشكون من غلاء الأسعار وجشع التجار، بيد أنهم يسرفون بشكل كبير عند تبضعهم أو تنوع موائدهم أو استهلاكهم للخدمات كالكهرباء والماء وغيرها، ما أدى إلى عادات سلبية انعكست على حياتهم الاجتماعية وتوفير الخدمات بشكل عادل ومتساوٍ بين المواطنين بعيداً عن المستوى المعاشي للأفراد.
ويقول الباحث الاقتصادي رائد العامري: إن “حمى الاستهلاك أصابت أغلبية الأسر العراقية، خاصة مع تنوع السلع المعروضة سواء في (السوبر ماركت) أو في المولات أو حتى المحال الصغيرة».
وأضاف أن هذه الحمى بدأت بالانتقال بين أفراد الأسرة وتوسعت، ما أثرت في الحياة الاجتماعية للأسرة سلباً، إذ تزايدت الاحتياجات، وأصبحت عادة وليست غاية لسد الاحتياجات”. مبيناً أن “ثقافة الشراء شبه معدومة لدى الكثيرين، فيتبضعون أو يسرفون بالاستهلاك من دون حسابات موضوعة، بل في بعض الأحيان من أجل التباهي”.
وانتقد العامري غياب المؤسسات الحكومية أو المراكز والمنتديات الأهلية المتخصصة بالحث على ترشيد الاستهلاك، موضحاً أن بعض الوزارات تكتفي بتوزيع أو تعليق منشورات تدعو إلى ترشيد الاستهلاك، مثل ما يخص الماء أو الكهرباء، لكن سرعان ما تتعرض هذه الإعلانات للتلف أو التمزيق من دون إعادتها أو وضع برامج تكون أكثر إيجابية.
ويتفق محمد فياض (صاحب محال للمواد الغذائية)، مع أغلب ما ذكره العامري، مبيناً أن العديد من الذين يتبضعون منه يأتون إلى محله من دون هدف محدد، إذ يقومون بشراء السلع لمجرد الشراء وليس الحاجة.
وتابع: “أنني كصاحب محل أكون سعيداً عندما يقوم المتبضع بشراء الكثير من السلع، لكن في أحيان عديدة أجد أن هناك عملية إسراف وتبذير”.وتؤكد الدكتورة مروج مظهر عباس (أستاذة في جامعة بغداد /كلية التربية للبنات)، أن “موضوع الاستهلاك حاز على أهمية كبيرة من قبل الباحثين في العلوم الإنسانية من علم الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس والانثروبولوجيا، كونه أصبح مشكلة لدى أغلب الدول في الوقت الحاضر، لا سيما الدول النامية التي تسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية
والاجتماعية”.
وتضيف أن “الإسراف في الاستهلاك بات مشكلة اجتماعية، وليست فردية تتدخل فيه دوافع إنسانية كثيرة ومتعددة، لأنه سلوك طبيعي للإنسان يحافظ من خلاله على وجوده لتلبية حاجاته ومتطلباته، فلم يعد الاستهلاك مجرد إشباع للحاجات الأساسية، بل أصبح هدفاً يتم دمجه وربطه بأسلوب الحياة العصرية بغض النظر عن الحاجة الفعلية، الأمر الذي يسهم في زيادته ليشكل بذلك عبئاً كبيراً على اقتصاديات الدول وأفرادها لارتباطه بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وحتى الثقافية والسياسية».
كما تشير عباس إلى أن الاستهلاك تأثر بمجموعة من العوامل، إذ أدت القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية دوراً بارزاً في زيادة أو تقليل الاستهلاك، فبغض النظر عن ترشيد الاستهلاك في الموضوعات المتعارف عليها من ماء وكهرباء ومواد غذائية، إلا أن الاستهلاك في الوقت الحاضر أصبح ذا قيمة اجتماعية كبرى ويقاس مركز الفرد الاجتماعي بقدر ما يستهلكه من السلع والخدمات، لتحمل في طياتها آثاراً خطيرة ظهرت وانتشرت بصور عدة، إذ برزت في الملابس والسيارات الفارهة والولائم المبالغ بالإسراف عليها والمنازل الفخمة وأجهزة النقال
وغيرها”،
مبينة أن “الكثير من الأشخاص يضطرون للعمل لساعات إضافية أو العمل في وظائف ثانوية والتضحية بحريتهم الشخصية وعلاقتهم الأسرية للحصول على أموال إضافية والاستمتاع باستهلاك كمالي غير ضروري لغرض التباهي والتفاخر من دون تحقيق فائدة عملية مباشرة، لذا من الضروري التأكيد في عملية التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة على قيم الترشيد والاعتدال في الإنفاق وأن يكون الوالدان قدوة
للأبناء”.